|
|
أمل طه..الإبتسامة في غرفة الإنعاش |
|
|
|
|
تاريخ النشر
12/02/2009 06:00 AM
|
|
|
ليس لانها خالة اولادي وحسب، وليس لانني عرفتها عن قرب واكلت معها خبزا وملحا، بل لانها وان كانت سليطة اللسان، شجاعة وصادقة وكريمة حد اهمال نفسها. لم أر أمل، نجمة الكوميديا العراقية، دامعة العين، ولا كسيرة القلب الا في مشهد كنت انا محوره، حين وصل اخي المفكر القتيل قاسم عبد الاميرعجام باحثا عني عقب نهاية حرب الخليج الثانية في العام 1991 الى الكوت، حيث اهل زوجتي، وكنت عدت ممزقا لتوي من الحرب، فما ان احتضنني حتى تعالى بكاء امل مختصرا كل العذاب والوجع الذي فيّ، وكل الاشواق الحرى التي في أخي الذي شاركها البكاء. كان قلبها على اولاد شقيقاتها واشقائها، حملت لهم ما كان يجود عليها عملها الفني به، لم تبخل على احد وشملت ابني الاكبر سلام بمحبة خاصة، حد انها شهقت قبل اسبوع من نوبتها الاخيرة وهي تتحدث معي عبر الهاتف مستفسرة عن سر غيابي عن تقديم برنامجي التلفزيوني الاسبوعي، وسألتني عن طريقة ترى فيها اولادي، وهي التي لم تتردد رغم عملي في حركة معارضة لنظام صدام عن المجىء الى عمّان وقضاء وقت طويل مع عائلتي، اسعدتنا فيه بمرحها وسخريتها ودائما بكرمها الباذخ. كيف لي ان انسى شجاعتها وهي تعرف تماما ما الذي قد يترتب على كلامها حين تقول في حديث صحافي اواخر تسعينيات القرن الماضي ردا على سؤال يتعلق باشواقها، بانها تشعر بشوق الى رؤية ابناء شقيقتها في الاردن؟ وكيف لي ان انسى انها حين ظهرت في "الفضائية العراقية" قبل سقوط النظام السابق، وجهت تحياتها واشواقها الينا، كمسك ختام لكلامها. أمل الابتسامة غير العابئة بقهر الزمن وعادياته، كانت مشروع فرح منذورا للناس، ابتسامة في ازمنة القهر والانتظار. ابهجت ببراءة ارواحا كثيرة وحملت السرور لملايين الناظرين المتعبين من ضغوط الحرب والحصار والقمع. اشتركت معها انا وزوجتي وابني في اكثر من بيت ببغداد، وعرفت فيها كرما وفيض مشاعر ومحبة رغم صراحتها الجارحة فيما خص الاخرين ورؤيتهم لهم. كانت كالفرح الذي ترسمه في اداوارها المسرحية والتلفزيونية نسمة منعشة في هواء ايامنا الثقيل، وكانت خفة ظلها معادلا موضوعيا لوزنها الزائد. استعيد احيانا مع افراد عائلتي بعض اداورها كما سجلتها لنا في شريط فيديو، فابتهج لدورها الجميل في مسرحية "الخيط والعصفور" ومعه اقارن امواج الاسفاف عبر ما سمي لاحقا بالمسرح الكوميدي، واستعيد ادوارها في برنامج الترفيه الراقي "استراحة الظهيرة" مع الذكي واللمّاح محمد حسين عبد الرحيم، واستعيد لمساتها في الدراما التلفزيونية ومعها احن الى رائحة بيوتنا القديمة، وعباءات الامهات وادعيتهن واشواق الشقيقات. أوجعني جدا انني بعيد عن امل وهي في محنتها الاخيرة حين اسقطتها جلطة دماغية، اوجعني ان لا اتمكن من اسدد مالها بذمتي من ديون، ديون عن كرم قلبها ويديها، ديون عن شجاعتها وصراحتها واخلاصها العميق للفن بوصفه بيتها الوحيد، ديون عن محبتها واخلاصها لوطنها واهله ودائما دونما ضجة شعارات ولا تبجح. آلمني جدا ايتها الغالية أمل ان تكوني، وانت الابتسامة بل الضحكة الهادرة، في غرفة الانعاش. |
|
رجوع
|
|
مقالات اخرى لــ علي عبد الأمير عجام
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|