.. ( قوّه ) لونية طاغية هي اساس تلك التقنيات التي تشتغل على مخيلتنا وتنتزعها من خدرها عند قراءة اعماله الحديثة .. وتجريداته ، ونحن نتابع التجربه لديه .
والحقيقة انني في البدايه امضيت وقتا – ربما بدا طويلا وانا اشاهد مجموعة اعماله من الفيديوآرت التي انجزها في غربته .. في العالم الجديد كما اسماها مرّة ..
وكان يشغلني لديه اصراره على الفكره وأولويتها .. رغم كل عناية بادية على اهتمامه بالشكل والتقنيات والمؤثرات ..
انه يصمم عمله بجهد فكري .. ودراسة معمّقة ..مثل اي معمار مغامر
كما تشي حركته با نه لايلصق الفكرة في مرحلة لاحقه اثر انجاز عمله بل تنبني الفكره لديه مثل نواة ، وتلك مزيّة رسام يعرف حقا طريقته ..
وكأني ارى فيه ذلك الرسام المسكون بوسواس الأتقان
وسواس الرسام حين يتبنّى نبوءة اللوحة وكمالها ..
*
تتفجر اللحظة الموحية بالفكره عند قيس السندي ( في الرسم وفي الفديو آرت ) من خلال حركة الحياة ، ووثائقيتها في مخياله :
زحمة الخطى وايمائية الأجساد ولغتها الأشارية ..
سيكولوجيا الوجوه وهي ترمي سمتها او ترسم حوارا من العلامات ،
وهي مفردات تسكن معارضه التشكيليه السابقة بقوّة لفرط ارتباطه بتفاصيل شهادته على عصر صعب ..ومخلوقات فضّه ، جدليّه ايضا . و حين نشاهد بهدوء تجربته الجديده في الفديو آرت – الحقيبة آي او أم مثلا – نكتشف تجربه حية عاشها عن قرب حيث يتأكد حدس اولوية الفكره وجوهريتها عنده
.. مع كل اتقان فني وثراء اسلوبي
ان هذه الحقيبة وهي ترافق هجرة العراقيين الى جهات الأرض على يد منظمة الهجرة الدوليه ، تخرج من عاديتها وتداولها اليومي وهي تحكي تغريبه عراقية في زمن الدم ، ليضفي قيس السندي على الحقيبة سردية فنيه غامره لشهاده دلالية عن محنة تاريخية واجتماعية خطيره تعرضت لها بلادنا وشعبها في العصر الحديث ..
وقد واصل قيس السندي منهجه في البحث عميقا في امكانات الفديو آرت لتنفيذ مشروعات أخرى : أقزام ..واللعبة لم تنته .. وراحلون ..وهي موضوعات تظهر ميل الفنان نحو تنويع الأداة الفنية وثراء ايحائها ..
*
والرسام قيس السندي 1967 ينهمك في في تفتيت مخلوقاته على سطوح حيّه .. وكأنه يشفق على مخلوقات متخيله لنساء خارجات من عتمات .. وتجارب تماهت فيهن حتى ارتسمت على اشكالهن ظلالا من الغموض الأزرق .. وهن يقبضن على حضورهن في اللوحه بيتم وخجل من الأنكسار . نساء قيس السندي استلابات جسديه مثقله بأضطراباتها . شحوب آسر لأيحاء غامض .. وسحري.
ان تلك اللذائذ المنتظره من اجساد تحلّق في كتلتها المفصوله عن اية هوية .. تتشظى دون ملمح .. ثمة رؤوس مبعده او اشباح لرؤوس لكن ذلك البريق الداخلي لكتلة الجسد لاتسعه كتله ولايحدده كيان في مديات مبهمة لأجساد هابطة من مجرات فاتنه لايقبض عليها كون محدد.
*
في نماذج نساء قيس السندي ميزات جماليه لفكره قائمة لديه عن جمال يخرج من سيكولوجيا الجسد الى سيكولوجيا الرسم ، انه يصنع جماليات لحضور ثري وهو يضفي على تجريداته لمسته المعماريّه .. ونظرته الرفيعه الى كتلة الجسد وظلالها وصداها ..
ثمة رنين وانعتاق باهر لمخلوقات تخرج من ابهامها ..ان نساء معرضه يخرجن بوعودهن المبهمة من اتقان ومعرفة وسكون . تلك تنويعات خارج اي مبتغى استعراضي او .. ابهار عابر بل انها منطقة كشف لرؤى وحفريات في اعماق هذه الحيوات عبر مهاره فنيه ..بل انها مهاره اسلوبيه ناقله لأعماق الفكر ومقولاته التي تبدو مثل هذيانات وكوابيس.. وجنون ملوّن .ثمة متعه لكل لوحة في استقلالية فريدة برغم واحدية الفكره – نساء .. لكن انتصار اللوحة ووحدتها معيار فني لمعرفة الفرق الغامر في خصوصيته ، بين مايفعله هنا .. وبين مايفعله في امكانات اخرى كالفديو آرت .. حيث تطأ ريشته جغرافيا الجمال الغامض ..
*
في معرض نساء تبدو نزعة الجمال غير ممكنة النفي .. انها كينونه ووعي .
ثمة نزعه ثنائيه : متمرده وعقلانية في اجساد تبدو صناعتها مثل شطحة ابتكار لمخلوقات الرسام الحلمية الفريده ..هذا الأشراق اللوني ، حيث كل مزيج مصباح لسحر المعنى ، وبريق لكون وهمي يصنع بلاغة نصه البصري وهو يعترف بقوة الداخل السري الخاص . لايبدو معرض قيس السندي نزوة عابثة لرسام حر في تخيل لذائذه ، كما ليبدو معرضا وصفيا لغواية الجسد ووشايته المرّة. انه يستخرج من تلك المخلوقات تداعياتها الرمزية ولغتها الكتومة .. هذا معرض يحكي غياب الجسد ونسائه وضياع لخطوات تمضي الى عتمة اسرارها الوحيدة رغم كل جمال تشكيلي منحنا اياه .. بل انه قلق لرسام يغادر فردوسه نحو جحيم الكشف الملغّز عن اعماق صامته .. استنطقتها اللوحة لتبدو وجودا لأسئلة مغامرة تكتنه السر وتروي ببلاغة مكثفه ..اسرار نساء على خريطة الروح ..ومسارات وجود صعب ..