بحكاياته وألوانه المشبعة بشمس الشرق، وبعناق أبطاله المشحون بالحب والمعاناة والمحرمات، وبألفة صحن الفاكهة وقطة البيت وسرير اللذة الخشبي، يأخذنا الفنان "سعد علي" إلى عالم يضج بالمحبة والأمل والفرج كاشفا لنا عن ما يجري خلف الأبواب من عناق وقلق وخلع للأقنعة وما يستدعيه ذلك من معاني موحية ومن مفردات العشق والغيرة والحسد. تكوينات سعد علي تلتقي، رغم تنوّع موضوعاتها، عند وحدة العلاقة بالجسد الإنساني، الذكر والأنثى، وهي علاقة لازمت بدايات الخلق وستصاحبه حتى عتبة النهاية. جسد موشوم بالتمائم والحروف والرموز والعيون التي تمعن في النظر إلينا بدهشة غامضة في فضاء المحرمات والممنوعات، وأصابع اللذة تمسك بالإشارات والرموز التي تشكّل واحدة من مفرداته الأسلوبية. الفنان "سعد علي" يرسم لنا في لوحاته الشكل الآخر للحكاية التي نعرفها مستخدما تقنيات حديثة وألوان حارة كالأحمر والأصفر والبرتقالي يتجلى تأثيرها عند ارتباطها بالموضوع وهي تشير إلى أخطاء وحرمان ومعاناة وحرية أبطاله. إن لوحة "سعد علي" المعروفة بخصوصية الموضوع وخبرة التلوين وقوة التكوين لا تكمن أهميتها فقط في قدرتها على جذب أنظارنا وجلب السرور لنا بل وكذلك في قدرتها على السرد رسما ما هو باق وجميل في تراثنا.
وهذه الميزة التي قد لا تدهشنا نحن القادمين من جهة الشمس الساطعة والحكايات القديمة من فرط العادة والتكرار والخمول، هي بالذات ما تستوقف الهولندي المشبّع بأزهار فان خوخ وطواحين رامبراندت. فالمشاهد الأوربي أمسى لا يحتمل القسوة والحزن في اللوحة على الرغم من إعجابه بها، أي أنه يتعاطف مع اللوحة المشحونة بالألم والمعاناة ولكنه لا يفكر باقتناءها. ومن جهة أخرى فهو "الأوربي"يريد أكثر من السرور والتأثر عند وقوفه أمام اللوحة، أنه يبحث عن الدهشة في غرابة الموضوعات والألوان والتقنيات ويريد معرفة الجديد من الثقافات والرسومات والحكايات المنصهرة في رؤية الفنان ومحليته ومعاناته، أنه يبحث عن الإنساني في المحلي المتجلي في خمريات عمر الخيام وخلود جلجامش وحكايات شهرزاد، وهو بالضبط ما أشغل الفنان "سعد علي" أربعة عقود قضاها في المنفى رساما مبدعا وإنسانا لا يكل عن البحث والحب بين إيطاليا وهولندا وفرنسا وأسبانيا.