خليل صويلح
«أورانج» (100×120 زيت على كانفاس)حالما نطأ عتبة «غاليري المدى» في دمشق، تهبُّ نشوة الموسيقى في أرجاء المكان. هناك، كان تحسين الزيدي (1974) يعدّ «كونشيرتو» لونياً بمقامات صاخبة. التشكيلي العراقي الشاب في معرضه «وجوه نعرفها» الذي يُختتم اليوم، يمسك بتلابيب عازفين في أقصى حالات انفعالاتهم. ستفيض العلامات الموسيقية إلى أبعد من إطار اللوحة، وسينسى عازف الكمان أنّه في حضرة اللون. وإذا بالأخضر يبلّل وجهه بضربات نزقة، فيما يندلق الأحمر من الجهة الأخرى. ستغيب عينا العازف تحت طبقات اللون، أما عصا الكمان، فستفقد رشدها تحت وطأة ضربات الأصفر والأزرق. لدى عازف العود، سنعيش شجناً عراقياً يكاد يتسلل بين الأصابع، وستتحول خلفية اللوحة إلى بنيّ داكن، قبل أن تتراكم الألوان فوق الوجه لتستحضر شيئاً من أنغام منير بشير، وربما جنون نصير شمّة، وآخرين كتبوا نوتة الألم العراقي بكل عنفوانها ودمارها وخساراتها المتعاقبة.
أصابع عازف الناي كهرباء تتسرب إلى القصب وتكمل طريقها إلى الوجه إلى أن تغيب تفاصيله تماماً. وإذا بها نهر أحزان، وخزّان ذكريات وفراق وشغف. هكذا سنجد أنفسنا أمام مقترحات أخرى متناوبة لعازف الساكسفون، أو الكونترباص، أو الغيتار. كأن هذا التشكيلي يتكئ على مرجعيات موسيقية أثناء الرسم، فينقل الشحنة الانفعالية للعازف إلى القماشة البيضاء لحظة السماع، باعتماده الحدس وحده في استكمال اللوحة. حالما يتلاشى صوت الموسيقى، وصدمة اللون، سننتبه إلى سطوح أخرى للوحة: هناك كتلة لونية هي مركز اللوحة، تنساب منها الدفقة اللونية في طبقات ثخينة، تقابلها كتلة أخرى بألوان صريحة: الأحمر والأخضر والأصفر خصوصاً، كترجيع للذروة التي أحدثتها أصابع العازفين في ليونتها وتوثّبها وحركاتها المباغتة.
في الأعمال الـ 18 التي ضمها المعرض، يزاوج تحسين الزيدي بين التشخيص والتجريد بجرأة لونية واضحة، تنبئ عن خبرة مبكرة في تجاوز حيرة البدايات، سواء لجهة الخطوط، أو لجهة مزج الألوان وانسجامها إيقاعياً. وإن كان يذكّر في بعض أعماله بأطياف مواطنه جبر علوان التعبيرية، وخصوصاً في ما يتعلّق بتموضع الكتلة في اللوحة وتشظّيها لونياً.