لكن النحت كان نقلته المثيرة للاهتمام حيث شكلت طفرة ابداعية في خلق عالم فني خاص ومتميز بعمق التأويل.
ففي اعماله النحتية نجده لا يبتعد كثيرا عن جذور تصوراته الفكرية و ثيمة اعماله التشكيلية الاساسية التي اغنتها مسيرة طويلة في الرسم عبر العديد من المعارض الفردية والمشتركة،
وان بدأ يغير من اسلو بيته تبعا لحاجة الخامه النحتية بالابتعاد عن التشخيصية والذهاب الي التجريد المعماري ، مما جعله يغيب الشكل الكلاسيكي للنحت لصالح المضمون الفكري والجمالي بابتكار تراكيب ذات بعد درامي تعتمد بشكل واضح علي اسلوب تداعي الافكار واعادة صياغة الواقع مستندا الي مخزون الذاكرة والي مفاهيم جمالية فلسفية تسعي لتحقيق تواصل واضح في العودة الي الغريزة الفطرية لطبيعة الانسان في السعي لاعطاء الحياة معني حضري متعدد المشارب والتنوع. فاغلب اعماله تؤكد علي التطور الشكلي برؤي جديدة عبر مجموعة من الرموز النحتيه غير المنقطعة من الجذور المؤسسة لثقافته كفنان. فهو قد يقارب قضايا وتفاصيل مألوفه لينفذ منها الي دلالات ورؤي كونية في التشكيل المعماري، وهذا ما يدفعه الي تحقيق الربط بين هذه العناصر النحتيه كاشكال ذات قدسية ما، تحاول ان تعكس فكرا صوفي في بناء رومانسي ماضوي يشي ببعد زمني متقادم. فهو يحاول الاتكاء علي فكرة الخلود الزمني لمنحوتاته والتي لا تبتعد كثيرا عن تلك البناءات الاثارية المنتشرة في ارجاء الارض كالزقورة السومرية او شواهد المعابد الحجرية في الديانات القديمة .
فالمنحوتات هنا لا تعكس المطلق الا انعكاسا حدسيا مبهما الي حد ما، وافكار النحات تحاول التجلي للوصول الي الفكرة التصميمية وتصويرها بعيدا عن مادية الادراك.
لقد ابدع الفنان في خلق الاثارة الذهنية للمشاهد حين وظف عنصر التشويق بشكل لافت، فجاءت مفردات المشهد الخارجي للعمل النحتي تعكس مجموعة من الدلالات الايحائية مترافقة مع رمزية نابعة من الذات الداخلي للعمل عبر دفق شعري ات من تفجير التقنية الفنية في عالم الحجر الجامد ونقلها الي تقنية الحلم المرن في محاولة لكسر الايهام المطلق في التجريد والكشف عن تجليات معالم المكان الاسطوري، وفي تفرد ابداعي قلما نجده في اعمال العديد من نحاتي الحداثة، فقد استحالت تلك المعالم الي حلم اسطوري يبهج النفس ويشحذ ذاكرة المتلقي.
ان اعمال الفنان (علي جبار) تبدوا وكانها قلاع تاريخية بيضاء شامخة في عنان السماء او اجزاء من مباني مدن اسطورية اقرب ما تكون من قصص الف ليلة وليلة .
ا ن تامل معالم ومفردات المنحوتات تنجلي عن كشف لملامح الحنين الي التكوين الشرقي حيث منبت الفنان واداته الفكرية في التعبير حيث اضحت صدي لهاجسه الفني ترتبط بتيار الفكر الوعي و اللاوعي المتدفق في ذهن الفنان عبر فيض من ذاكرة المكان والعمارة الشرقية والتداعي الحر والخيال والحلم. وهذه الدفقات الفنية ادت الي تشابك واضح في التكتيك وتداخل بين الازمنة لقد وقف الفنان بين نقطة الانطلاق والتقاطع والحدود الفاصلة بين الازمنة والعوالم الداخلية والشكل الخارجي فوقف بين الواقعية والخيالية عندما جزأ المنحوته الي اجزاء تركيبية متعدده للتعبير عن المزاوجة وجمع مجموعة متجانسه من المداليل ليخرج بمدلول واحد فتماهت الحدود بين الخيال والواقع من خلال وثبة بارعة رصدت هذه العوالم اجمع معتمدا لاسلوب التوليف في خلق رؤية تتجسد ت بعناصر متعددة فتجمع بين الشكل التجريدي والتكوين العضوي، فهو يجتهد " لوضع الأشياء تحت العين " كما يقول أرسطو، ليغدو الجمال عنده تعبير عن نشاط خفي ينمو ويتطور وفقا لنظام ابتكار رؤية جديدة في النحت يمتاز بتنوع السطوح والكتل والحجوم وحركتها علي مساحة العمل الفني في اطار المعمار الاساسي للتقنيات التركيبية، وصلابة مفرداتها البنائية..
ومع كل هذا التنويع (في التركيبة) فان هنالك اندماج واضح بين عناصر عمله الفني، وخصائصه المضمونية، فعلي الرغم من المظهر التجريدي للوحدات فقد اوجد نوع من العلاقة القائمة بين التعامد و الأفقية في الشكل هو بمثابة العلاقة التجريدية والاحساس بالعامل المشترك بين كل هذه الأجسام، ان الفنان يقوم بعملية تواصليه في تفكيك وجمع كولاجي في بعض اعماله النحتيه للوصول الي معاني غير محددة عبر التلاعب بالتكوينات لخلق عوالم بديلة تعالج المعني عبر استنطاق الشكل الهندسي للعمل (الفورم العام) لغاية تشكيلية تحاول اختصار الواقع بعناصر انشائية، فهو يقدم خطاب مفاهيمي لموروث فلسفي كامن عبر فن ترتيبي لمجموعة من العناصر التكوينية التي تستند الي قاعدة هندسي وبحث دائم عن الديناميكية الكامنة والاشتغال علي الواقع الحيزي في اعماله، عبر الأشكال المتداخلة والتراكيب المستندة علي بعضها البعض، للكشف عن جوهر تكويناته المبهرة بقاماتها العالية وصوفيتها القادرة علي الولوج الي دهاليز الماضي واستشراق افق المستقبل المنفتح علي كل الجهات والتأويلات، فالسر يكمن في ذات الوحدات الداخلية للعمل التي تفرز اكثر من فعل الايحاء. فالكلي والجزئي في اعماله يستند الي بعضهما البعض ولا يمكن الفصل بينهما، فنري انه لا يتجاهل الدور الذي يلعبه المكان كفضاء واسع محيط بتلك الأعمال مبرزا فيها تلك الضخامة الافتراضية والهيمنه المعمارية والتي قد تصدم العين غير المدربة علي مثل هذه الاشكال وتبهرها لكنها لايمكنها الا ان تنجذب لها. فالفنان هنا يطرح خطابا يعتمد الكشف عن مدي الترابط بين الواقع والتخيل بتشكيلاته الغرابية المستندة الي سطوة الاسطورة التي تؤثر وتحرك مشاعر المتلقي.
ان اعمال الرسام والنحات (علي جبار) تشكل فعلا صدمة حداثية في وجه المألوف والتقليدي مما اهله وبامتياز من الفوز بالعديد من الجوائز العالمية فمن دبي يخطف الجائزة الاولي للنحت عام 2005 في ملتقي اعمار الدولي وكذا في ملتقي طهران الدولي 2007 وتتوالي الجوائز من ازمير في تركيا والصين وهولندا وايطاليا الي السويداء في سوريه والمشاركات من المانيا الي تايون و لتنتصب اعماله النحتيه في العديد من دول العالم مثيرة الاعجاب والتقدير بهذا الجهد العراقي المثابر في تطويع الحجر.