مهيمن الجزراوي
الفنان
صالح الكويتي من اليهود العراقيين الذين أسقطت عنهم الجنسية العراقية عام 1951م وهاجروا إلى فلسطين ، واسمه الكامل هو صالح بن عزرة بن يعقوب والملقب بالكويتي بسبب شهرته الفنية والموسيقية التي كانت بدايتها في الكويت ، ولد أبوه عزرة في إيران وجاء إلى بغداد فأستوطنها. وفي بغداد ولد صالح عام 1903م ثم سافر مع عائلته إلى الكويت وذلك قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ، حيث يعمل والده في التجارة.
كان الفنان صالح الكويتي فنانا عصاميا إذ تعلم العزف بالفطرة منذ أن كان صبياً في العاشرة من عمره معتمدا على موهبته وقدراته الذاتية وجهوده الشخصية، وظل مستمراً في عمله إلى أخر يوم في حياته . وهو من امهر العازفين على آلة الكمان ليس على مستوى العراق فحسب وإنما على نطاق الوطن العربي والدول المجاورة للعراق وذلك بشهادة الكثير من فناني عصره ، وكان له دور بارز في نشر الثقافة الموسيقية في العراق من خلال افتتاحه لمعهد موسيقي يعد من أوائل المعاهد الموسيقية في العراق لتدريس الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية. وقام بتلحين ألاغاني لمعظم المغنين والمغنيات الذين ظهروا في عصره ، وله دور كبير في وضع المقدمات واللوازم الموسيقية لأغلب ألاغاني المرافقة للمقام العراقي (البستات) وجعلها أغاني مستقلة يمكن غناؤها بمعزل عن المقام. ولمكانته الفنية تم اختياره من قبل الحكومة العراقية عند افتتاح الإذاعة العراقية ليقوم بتأسيس جوق خاص بالإذاعة ويكون رئيساً له ، وقد رافق هذا الجوق معظم المطربين والمطربات وقراء المقام في الحفلات العامة والخاصة والحفلات الإذاعية التي كانت تبث على الهواء مباشرة من إذاعة بغداد وإذاعة قصر الزهور، وكان يرافقهم في تسجيل الاسطوانات. وعند تأسيس جوق الإذاعة من قبل الفنان صالح الكويتي يكون هو أول من ادخل آلة الجلو والناي في مرافقة آلات التخت الشرقي. ولمكانته وتميزه الفني أهدى له الملك غازي الأول (رحمه الله) ملك العراق ساعة ذهبية مختومة بختمه الخاص تقديراً لجهوده. ولتميز أسلوبه في التلحين تم اختياره لتلحين موسيقى وأغاني أول فلم عراقي (عليا وعصام). وكان من أوائل الموسيقيين الذين حاولوا التدوين الموسيقي للمقام العراقي ولأطوار الابوذية والبستات العراقية على الرغم ممّا واجهه من صعوبات وانتقادات من قبل المعارضين له في هذا المجال. وقام بتأليف وتلحين العديد من القطع الموسيقية المختلفة كالسماعيات والبشارف واللونكات والتقاسيم ، والتي استلهم معظمها من المقامات العراقية. وكان يقوم بتشجيع الفنانين الجيدين والموهوبين ودعمهم ماديا ومعنويا وذلك من خلال توفير فرص العمل في ملها (أبو نؤاس) الذي كان يشرف عليه. وكان متنوعاً ومتجدداً دئماً في أسلوب تلحينه للاغاني من ناحية اختياره للنغم والنموذج الإيقاعي ، فلحن أغاني على أنغام ومقامات مختلفة ومتنوعة مثل مقام (البيات ، الصبا ، الرست ، العجم ، الحجاز ديوان ، النهاوند ، السيكاه ، المنصوري ، الدشت ، الجهاركاه ، اللامي ، الكرد ، المستعار،..الخ) وكذلك أنغام ومقامات لم تكن شائعة في العراق في تلك الفترة مثل مقام (البسته نيكار) في أغنية (كلبك صخر جلمود) لسليمة مراد، ومقام (الزنكران) في أغنية (شكول على حظي انه لبنيّه) لزكية جورج ، أما من ناحية النموذج الإيقاعي فقد استخدم في أغانيه نماذج إيقاعية عديدة ومتنوعة وكان من رواد الملحنين الذين ادخلوا في أغانيهم نموذجين للإيقاع في الأغنية الواحدة مثل أغنية (بمحاسنك وبهاك) ، وأغنية (من غير أمل) وهي من أغاني زكية جورج ، حيث تبدأ هاتان الأغنيتان بمقدمة موسيقية على إيقاع الوحدة ثم يتغير إلى إيقاع الجورجينة عند دخول المطربة في الغناء ، فتحولت الأغنية على يديه من أغنية أحادية النغم والإيقاع إلى أغنية متعددة الأنغام والإيقاعات. ومن ابتكاراته في الأغنية العراقية انه أول من ادخل الغناء الثنائي (الدويتو) بين مطرب ومطربة ، كما نرى ذلك في أغاني عديدة للمطربة زكية جورج و صالح الكويتي مثل أغنية (كلبي خلص) ، وأغنية (وين رايح وين) ، وأغنية (تاذيني) وغيرها من ألاغاني التي يظهر فيها صوت الفنان صالح الكويتي مغنياً إضافة لكونه ملحناً وعازفاً في الوقت نفسه.
ومن خلال تتبع مسيرة حياته نرى بأنه كان يتحلى بأخلاق عالية وإحساس مرهف وروح موسيقية رفيعة تبرهن عليها علاقته الأخوية المرتبطة بأواصر المحبة والفن والتآخي والتسامح مع أخيه داود الكويتي فالمتتبع لتاريخهما الفني الطويل يجد انه لا يذكر اسم احدهما إلا ويذكر معه اسم أخيه في أية مناسبة أو عمل فني ، حيث بدأت هذه العلاقة منذ ولادتهما ولغاية وفاة الفنان داود الكويتي ، ففقد الفنان صالح الكويتي اعز شخص على قلبه والذي أدى إلى فقد بصره ثم وفاته.
إن العمل المتواصل في مجاله الفني وكثرة السفر والتنقل والتجوال والإطلاع على مختلف القوالب والأشكال الموسيقية والغنائية في العراق والدول المجاورة له قد ساعد في زيادة خبرته وتوسيع معلوماته وثقافته الموسيقية ، ففي الكويت كانت البداية حيث اطلع على كل ما يخص الموسيقى والغناء في الخليج العربي والجزيرة العربية ، فالغناء الكويتي ينحصر في ثلاثة أنواع هي الأغنية العربية القديمة (الصوت) ، وأغاني عرب البادية (السامري) ، وأغاني البحر والبحارة (النهمة) ، وفي البصرة تعرف على أغاني الهيوة ، والخشابة ، التي تتميز بإيقاعاتها المختلفة ، وفي العمارة اطلع على أغاني جنوب العراق ، والأطوار الريفية ، والابوذيات ، وفي بغداد اطلع على المقامات العراقية والأغاني المرافقة لها (البستات) ، والموشحات ، والمربعات ، والموالات ، وفي الموصل تعرف على ألاغاني الموصلية ، والسويحلي ، والمقامات والأغاني والدبكات الكردية ، وفي سوريا اطلع على القدود الحلبية ، وفي لبنان تعرف على الميجنة ، وفي إيران على المقامات والأغاني الفارسية ، فضلاً عن ما كان يستمع إليه الفنان من اسطوانات موسيقية وغنائية تركية ومصرية ، والاحتكاك بالموسيقيين والمطربين والمطربات من جنسيات مختلفة كل ذلك أدى إلى زيادة مداركه الموسيقية وتفتح قريحته وإبداعه في التلحين والتأليف الموسيقي.
ومن القطع الموسيقية التي ألفها صالح الكويتي (ملاقات الحبيب ، لونكا نهاوند ، رقص ماري ، بشرف راست) ، ومن التقاسيم (نغم العجم ، نغم البيات ، نغم اللامي ، تقسيم منصوري- صبا ، التقسيم الكويتي- توشيح) ، ومن ألاغاني التي لحنها (كلبك صخر جلمود ، يانبعة الريحان ، انه ياناس ، ياحمام ياحمام ، بمحاسنك وبهاك ، انه من اكولن آه ، شكول على حظي انه لبنيه ) ، إضافة إلى العشرات من ألاغاني الأخرى |