هي ( أحلام مؤجلة ) لحين تبتسم الأقدار لهذا الأنسان أو ذاك ليعيد صياغتها وتشكيلها على أرض الواقع من جديد ، بعد أن صاغّها بين مجسات روحيهِ وأنثيالات خيالهِ ، ومن هنا تكتسب هذه الأعمال أهميتها كونها تتناول
مفردة (الأحلام) ومدى تحققها من عدمّها .
فالوحة المرأة العازفة على الكمان هي تصور لنا حالة الموسيقى وهي تملئ المكان وكيف تجعل من ذلك المكان يغفو على هالة من السحر الموسيقي ، وذلك الشيء يجعل من الطيور تترك فضائها الخارجي لتبقى بجوار تلك العازفة كأنها وجدت في تلك الموسيقى الشيء الذي تبحثُ عنهُ ، لأن هذه العازفة هي تعزف لشيء تحلم به ِ ، قد يكون لحبيب يرجى رجوعهُ بعد أن ينجلي غبار الحروب المتكررة أو هي مناجات لمكان غادرتهُ منذ زمن .. فلذلك أصبحت العودة في تلك الحالتين أشبه بالحُلم ، الشيء الملفت للأنتباه في هذا العمل أن السعيدي يجعل من وجه المرأة قريب من عمل البورترية أي يبقي القيم الجمالية الخاصة بالبورترية موجودة وهذا الشيء غير مألوف في الأسلوب المتبع في المنطقة التي يشتغل فيها السعيدي وهي التعبيرية المجردة ، ذلك لأن جمالية العمل ككل تتطلب وجود شيء جمالي يكون هو نقطة الأرتكاز الذي يبنى عليه قيم العمل الأخرى ويجعل من الحلم حالة طاغية بالعمل كبروز أنوثة وجه العازفة .
وفي لوحة المهجرين نرى كيف صاغ السعيدي تلك اللحظة الزمنية وكثفها وأختزلها في وجه الأمرأتين وخاصة حركة العينين وهما ترقبان بدهشة مغادرة المكان الذي يحمل صفة الوجود الجزئي لكل شيء لهما ، ولكنهما غير مصدقات لتلك اللحظة التي تمران بها وهنّ يحملن الحقائب وبعض الأغراض ويتركن خلفهن الديار ، هذه الأحساس والشعور بتلك اللحظة الزمنية هي التي يقصدها الفنان .. أي نحن حين نمر بموقف مفرح أو محزن جداً وغير متوقع نقول مع أنفسنا أو مع الآخرين في ذلك الموقف .. هل نحن في حالة حُلم . فأذا كان محزن نتمنى أن ينتهي بسرعة وأذا كان مفرح نتمنى أن يستمر ويتحقق.
السعيدي في تجربتهِ يصوغ ويجسد هذه الحالة الشعورية ولايكتفي بذلك بل يجعلنا نفتتن بحالة الخلق الفني التي يشكلها أبتداءً من بناء الكتل اللونية الكبيرة والتي أصبحت تشكل في هذه الأعمال العمق الفراغي لها والأرتكاز الأساسي لبناء الكتل اللونية الصغيرة وأنطلاق تخطيطاتهِ التي يشكل من خلالها العناصر الأخرى للعمل الفني ، في هذه المرحلة نرى حالة البناء لديه سارت بتجاهين ، الأول.. أفقي والتي من خلالها يتم تأسيس العمق الفراغي ولكن بطريقة تبتعد عن المنهج التقليدي في بناء المنظور ، والثاني .. البناء العمودي الذي يرتكز عليه حركية العمل في بعده الزماني ويعطي للكتل اللونية الكبيرة التي أصبحت في هذه المرحلة أقل عدداً..
قيمها الجمالية ، أن البناء الأفقي في أعماله ِ يأخذ مساحات وكتل لونية كبيرة حين يكون العمل مرتكز على وحدة المكان كعنصر مؤثر في وجدان المتلقي وحين يكون التوتر النفسي وحساسية الخلق الفني لدى الفنان لحظة الأبداع تمضي بوتيرة واحدة ، كما نرى ذلك في أكثر من عمل ، بينما نجد أن البناء العمودي لديه يعبرعن حالة من التوتر والتغير في مسارات الخط لحظة تشكيل وحدات البناء المكونة لهذا العنصر أو ذاك حتى يصل الى درجة الأختزال والتكثيف في العمل الفني مما يجعلهُ يحيل الكتل الكبيرة الى صغيرة وتحدث في لحظة الأشتغال الفني من التداخلات اللونية حتى يشعر المتلقي أن هناك حالة من التناص والأندماج اللوني وكأن هناك أسقاطات ضوئية ملونة على العمل الفني ، وهذا مانراه في لوحة لحظة عشق حالمة ، حيث نرى حالة عشق فيها من اللوعة والهيام ما نفتقدها في زمننا هذا بسبب سرعة الحياة والتشظي الذي يصيب الأنسان لكثرة الأحداث المؤلمة المحيطة به ِ ، في هذا العمل والأعمال الأخرى أراد أن يؤرشف السعيدي لحظات ولقطات ومشاهد لايؤرخها التاريخ ولا كتاب السير الذاتية وهنا تكمن قدرة الفنان على أعادة صياغة العالم وتشكيله ِ حتى يجعلنا نشعر بسلامة فطرة حواسنا ونقاء نفوسنا مما علق بها من شوائب وغبار الأيام
وهذا مايجعل الفن ضرورة حضارية وليس ترف حياتي .