فقد كان كريم رسن يرتّق حيطان الماضي وحفوره ، ويتلو نصوص التدوين والأشاره .
وكان لأكثر من عقدين – منذ اواسط الثمانينات يتجه نحو خصوصية الكشف عن احالات ومعان للأشكال والأيقونات والمرموزات وهياكل المواقع والاشارات في بيئته التاريخيه على انها معرفه منجزه في فجر ذاكرته الرافدينته ..
تلك الروح الكاشفه لعناصر محيطه ، جعلت كريم رسن في همه التشكيلي يضفي اشتغالات تأ صيليه على كل اثر مروي او دلالي او حتى زخرفي في قراءاته المختلفه للأثر لتظهر اتجاهات تعبيريته ككشوفات حره لكل ماهو بصري حمله اليه بحثه الكتوم ومنهجيته المكثفه في الرسم .
*
كان اتجاهه المبكر في تكريس اشارات الماضي ، حروفيته ، اشكاله ، موتيفات حضارته ، هو اركيولوجيا لأبتكار شفرة مكتشفاته ، لا تكرارها . كانت مواده اليوميه في العمل الفني و معالجاته للوحاته نمط من اضفاء عنصر القدامه على عمله الفني وكأنه يستله للتو من منبعه .. او من موقعه المتحفي القديم . كان يكتشف تاريخا للكرافيتّيه في وادي الرافدين ..
لكنه حين وثق آثار حرائق المدينة جراء قسوة الحرب على الحيطان والمنازل في دفاتر واعمال ورقيه 2003 ومابعدها .. كان يوثق رسوم وكتابات لأحداث الحتميه التاريخيه التي كان يراها لأتجاه الخراب المتواصل ، وعلاماته على الحيطان التي تمثل حاضرا ..وامتدادا لتواريخ ..ومكتشفات ورؤى عبر تجربته النظر وتنوّع الرسم و اللصق و الأستفاده من مواد محيطه .
في معرضه الجديد – غرافيتي - على قاعة غاليري هيتيت في مدينة تورنتو في كندا اعتبارا من 1 اوكتوبر تشرين ا ول 2009 يعرض كريم رسن تحولا مهما في تجربته لعرض 15 عملا جديدا . لقد رصد عبر تقصيه للمدينه في غربته المفروضة نمطين من الكتابة والرسم في المدينه وقد تعرضتا لفعل القدامه ، وتأمّل على حيطان الشوارع وتحت الجسور وفي محطات قطارات تحت الأرض العلامات والأشكال التي يرسمها رسامو الشارع ولوحاتهم ( هم يسمون انفسهم كتاب الشوارع منذ ابتداء حركتهم في انطلاقتها الجديده منذ اواخر الستينيات في نيويورك وعواصم اخرى
) كما رصد لوحات الأعلان وتراكم الملصقات .. وكميتها وتكرارها وطريقة لصقها وانقراضها .. بحسب التقادم وكانها طروسا تعرضت للكشط والحث تحت كف الرياح والوقت ..
وكانها تشكل مرجعيه لمنتقيات رموزه من جديد ، اذ تنتقل الرؤيا زمنيا في بعدها المكاني ، وتنتقل المعرفة الى الداخل وهي تستقريء ماتم محوه واعيد كتابته – لصقه مثل تلك التجارب التي غسل حبرها وكشط لتحل محله كتبا اخرى ( المجلد الأفرامي السرياني وقد كشط واعيدت فوقه الكتابه ...ثم استعادته قراءة تشيندروف 1845 برغم التداخل الحروفي ) .. هنا يستعيد كريم رسن طريقته في تعبيرية الرائي لكن هذه المرة في روح الرسم حين تكون التقنيه طريقا لتكريس اسلوبيه متغيره ..
مرشّة اللون مواد لونيه مختلفه صحف ارقام وقراطيس شتى والأنتقاء من رموز البيئه وعلاماتها ( يستعمل الكرافيتيون بقوّة المرشه اللونيه – البخّاخ – وغالبا تشكل علاماتهم وحروفهم ذات الكتل الكبيره نقدا او تحديا او اعتراضا سياسيا واجتماعيا ضد السلطات .. ويتمتع البعض بحرفه عاليه ووجهة نظر وموقف ) لكن كريم رسن في منحاه الغرافيكي يعيد قراءة هذه الوثائق اللونيه و الورقيه من قلب لوحات الأعلان ومن الحيطان والأماكن السريه التي ينتخبها الغرافيتيّون في بياناتهم واشاراتهم . اللوحه عند كريم رسن مقاربه رؤيويه .. وابتكار لمكانه بصريه مختلفه للأشكال والرموز والحروف و الورق .. ويكتب كريم معلقا ( من العوامل التي ساهمت في إنجاز هذه التجربة ( المعرض الشخصي) هو انتقالي للعيش في بلد آخر ، جديد غير الذي كنت أعيش به ، كندا. كذلك اهتماماتي الجمالية والفنية بهذا الموضوع - الأثر الإنساني والبيئي المحيطي) ويرى كريم رسن في قراءته لشكل البيئه النائيه هذه .. للعناوين .. والعلامات والأعلانات ، تراكمها وازاحتها ، لصقها وكشطها على انها 0عمل تجريدي كبير ساهمت في صنعه عناصر عديده .. وفي معرضه يرمم كريم رسن مسلّته بقطع اعلانيه وحروف لاتينيه واوراق .. ومرشات لونيه تسهم في صنع الكثافه كما يستعمل الكابسه ضمن مقتنياته البيئيه مثل عرّاف يجمع شتات حاضره ليقول رؤياه .. ولايقول في نفس الوقت ..
في نبؤته يشتغل كريم رسن على اركيولوجيا معرفيه كونيه حيث ينتقل في بحثه الى بيئة الهجرات وهي تريق اشارات لطريق مبهم تتكثف في لوحات هي ذاكرة المحمولات والأحالات ..
وفي معرضه – غرافيتي ، يضفي كريم رسن معارف بطبيعة بصيرته الشرقيه النائيه وخواصّها وهي تحط في بيئة الأغتراب لتشكل من علاماته ورموزه ومادته ايقونات والوان نسجتها الأمكنه في تحولاتها وناسها في نزوعهم .. ليؤرخها .. منفردا حاملا مصباحه وهو يضيء.