شاهد العود، لاول مرة، تحمله فتاة صغيرة، اختفت الفتاة بسرعة، وبقى العود في مخيلته، يذكره بحبه الاول.انجذب الى فرق الاناشيد المدرسية التي اسسها الرائد حنا بطرس، عازف النحاسيات وتعلم فيها العزف على عدة آلات.
وحين اسس الشريف محي الدين حيدر، معهد الفنون الجميلة سنة 1936 ، بعد ان جذب اليه الكثير من اصدقائه الموسيقيين العالميين، امثال ساندو آلبو، عازف الكمان، والبروفيسور جوليان هيرتز، معلم آلة البيانو، ومسعود جميل بك، معلم آلة الجلو، دخل سلمان شكر المعهد وهو في عمر 16 سنة، ودرس الموسيقى لمدة سنتين، ثم تركه لظروف خاصة به، وعاد الى مقاعد الدراسة واكمل دراسته بعد انقطاع أربع سنوات. سنة 1944، تخرج في المعهد، وتعين مدرساً فيه خلال السنة التالية. سلمان شكر، مواليد 1921، من المحظوظين القلائل في الشرق، الذين اتيحت لهم فرصة نادرة ليدرسوا على يد شخصية فريدة مثل الشريف محي الدين حيدر. وقد اخذ عنه معرفة روح وفسلفة آلة العود، وطرق استنباط الموسيقى التراثية وعزف مقطوعاتها، باشكال مبتكرة حديثة، كان لتأثر وثقافة الشريف، بالعزف الغربي، وحبه لتكنيك العبقري الايطالي (باغانين) بالعزف على الكمان، والهنغاري الكبير فرانز لبست على البيانو، الوقع الكبير على اسلوبه الفني. وقد درس سلمان شكر، فيما بعد، طلابه بنفس الروحية التي ورثها من استاذه الشريف. قال سلمان شكر عن طريقة التدريس حينذاك: (لم يكن لدينا منهاج ثابت مكتوب، كان الشريف، الذي اخذنا عنه طريقته يعطي كل تلميذ، التمرين الذي يناسب قابليته، وليس بالضرورة، يعطي نفس التمرين لتلميذ آخر، فقابلية الطالب وسرعة تطوره، هما اساس منطلق الشريف في الاستمرار مع التلميذ) كان شكر، يكتب التمارين بنفسه، ولكل طالب على حدة، ثم يعزف التمرين مرتين امام الطالب، شارحاً بعض النقاط التي يراها مهمة اثناء العزف، وعندما يثبت الطالب جدارته في فهم وعزف التمرين، ينتقل سلمان شكر معه الى تمرين آخر. الف مقطوعات عديدة تساعد الطالب على تطوير امكانياته على ضوء ما يتعلم وقد برز من طلابه اللامعين، علي الامام ومعتز محمد صالح وحبيب العباس وحسام الجلبي. بقي شكر يدرس في معهد الفنون مدة 30 سنة، اخذ خلالها في تطوير وترسيخ ما اخذه من المعلم الكبير، وراح ينحو في تأليفاته، مناهج تجعل من العود، آلة منفردة (صولو) وليست آلة مصاحبة للمطرب، واهلها لمكانة لم تكن قد وصلت اليها من قبل قائلاً: ان عزفي، لا يقتصر على الصيغة المحددة، اذ اني اقوم ايضاً، بين الحين والاخر بعزف التقاسيم، والتقاسيم ماهي الا تآليف حرة من الايقاع، اذ ان آداب معينة) وذهب في دراسته عن اصول العزف على آلة العود، الى بحوث مشتركة بينه وبين البروفيسور البريطاني (جون هاي وود)، في جامعة انكليزية ، واستطاعوا تحقيق مدونة قديمة تعود الى العازف عبد القادر المراغي، الذي كتبها في الفترة التاريخية الواقعة بعد سقوط الدولة العباسية، وقد توصل سلمان شكر، الى عزف ما مدون في المخطوطة وكانت (بشرف ماهور كار) حسب دريد الخفاجي، ماجستير علوم موسيقية وعميد معهد الدراسات الموسيقية. القديم بالمبتكر اسست نتائج بحوثه في المدونات القديمة، ووصوله الى فك مفاتيح المخطوطات، الى ابتكار طريقة في التأليف والعزف، اعتبرها مكملة للفنون الموسيقية القديمة، ودعا الى اتخاذها انطلاقة جديدة في طريق الموسيقى العربية الحديثة وقد وضع لضربة الريشة على الاوتار قانوناً مستقلاً، بدل الضرب المسترسل الذي يعتمد على خاطر العازف. وقد وصفه احد الموسيقيين لصعوبة تآليفه وكثافة مدلولاتها بانه: (يمشي على يديه وينتقد من يمشي على قدميه). ولكن شكر يقول في إحدى المقابلات: ان مشكلة جيلنا، او تلامذة مدرسة بغداد، لا ترجع الى نوعية التربية الموسيقية التي حصلنا عليها، ان مشكلتنا الاساسية هي مسألة وقوفنا مع او ضد التيار السائد. اذ اننا قابلنا مشكلة كبيرة، الا وهي مشكلة الاغاني الاستهلاكية، ثم هناك الاذاعات التي تنشر وتفضل صيغاً معينة سهلة في السماع الموسيقي. فالصمود امام طغيان هذه الموجات صعب جداً). ورسخت طريقته في تناول معنى واثر العود، ووصل واياه الى مرتبة لم تصل اليها آلة العود قبل ذلك. رحلات وآفاق سافر سلمان شكر الى تركيا في ستينيات القرن العشرين، البلد الذي يتنفس الموسيقى، ويمتلك المدارس المتعددة في فن العزف على العود، دعا الى اقامة كونسرت منفرد، وعزف بدعوة من مسعود جميل بك، مدير اذاعة اسطنبول عزفاً منفرداً، وعمل مع عازف القانون، المبدع (نجدت بالو)، وقدم معه الثنائيات في الاذاعات التركية. وبعد رحلة فنية ناجحة، عاد الى العراق، واسس رباعي بغداد، مع عازف الكمان آرام بابا خيان، وآرام تاجريان وجورج مان وحسين قدوري حيث قدموا في حفلاتهم الأول مؤلفات سلمان شكر، ومقطوعة سماعي لامي لعبد الوهاب بلال، ومقطوعة لسالم حسين بعنوان افراح الوادي. الإنجاز الأكبر اخذ سلمان شكر يوسع من قدرة العود التعبيرية ويمنحه في مؤلفاته الاهتمام الاوسع، فقد كتب مع البروفيسور هاي وود، كونشيرتو العود مع الفرقة الاوركسترالية البريطانية وطبعت شركة دكا الشهيرة، اسطوانة بالعمل النادر، سنة 1978. وكان هذا اول عمل لآلة العود، يطبع على اسطوانة غربية ودخل العود بعد ذلك مجال الموسيقى العالمية، ما لفت الانظار في اوربا الى مؤلفاته وعزفه، وقد كتب المستشرق الفرنسي جان كلود شابريه فصلاً مفصلاً عن سلمان شكر في اطروحة دكتوراه عن الموسيقى الشرقية. توقيتات يمتاز اسلوب سلمان شكر في عزفه على العود، بالتهذيب العالي في استعماله للريشة والدقة المتناهية في مواضع الاصابع، وابتكار غير المألوف في التوقيتات، وهو يركز على تقنية الزحف اثناء الاداء، لتحميل الجملة الموسيقية قدرة تعبيرية اكبر، ويكثر، حسب دريد الخفاجي، من استعمال الزغردة، وهو الضغط على الوتر بخفة وتردد سريع، لاعطاء الجملة نكهة عاطفية، كل ذلك كان يحقق له الغنى في الاداء، والرصانة العالية في تأدية القطعة الموسيقية (لدي الحق في التفخيم والتشبيع والترقيم والزخرفة، على الا يخرج ذلك عن الاطار العام للموسيقى). كان للموسيقي الكبير سلمان شكر، شخصية متميزة، حرص على ان تكون في الموضع والمكانة اللائقة دائماً، وهو ذو قدرة كبيرة في الهيمنة على انتباه المستمع. أذهل الحاضرين، في آخر كونسيرت اقامه في بغداد سنة 2001، بلباقته ورشاقة عزفه وحضوره المذهل وسيطرته على المسرح وسط صمت ولهاث الجمهور المشدود الى حركات ريشته واصابعه على البورد. في نهاية احدى المقطوعات وقف سالم حسين وسط القاعة ونادى: (كنت فارس العود، وما زلت كذلك طوال الســــنين). وطلب منه عزف مقطوعة (سماعي عشاق) تأليف الشريف محي الدين، وسرعان ما عزف سلمان شكر المقطوعة بدقة وروعة من دون الرجوع الى النوطة، اذ انه يحفظ عن ظهر قلب كل المدونات القديمة ويعزفها وكأنه يقرأ في النوطة، وهو يجيد التحدث باللغة الفارسية والتركية والكردية والانكليزية ويكثر من السفر من اجل نشر رسالته الفنية، ويحرص على ايصال فنه الى المسارح العالمية، ويتمتع بنسيج تشامل من العلاقات الراقية مع الموسيقيين في جميع انحاء العالم، يروي الموسيقار دريد الخفاج (ان سلمان شكر في احدى سفراته الى القاهرة، كان قد بعث اليه المطرب فريد الاطرش بسيارته الخاصة وسائقه كي يجلبه الى بيته، ولكن شكر رفض الذهاب مع السائق. وعتب على صديقه لانه لم يحضر بنفسه الى الفندق لاستقباله). سلمان شكر في سطور * سلمان شكر داود حيدر محمد علي * ولد في بغداد عام 1921 * عمل عازفاً على آلة التلارانيت في الجوق الموسيقي الذي اسسه الرائد حنا بطرس * التحق بالدراسة في معهد الفنون عام 1936. وتتلمذ على يد الموسيقار الشريف محيي الدين حيدر. * عين استاذاً في المعهد عام 1947 واستمر يدرس آلة العود لمدة 30 عاماً . * شغل منصب مستشار فني في وزارة الثقافة والاعلام: * ترأس اللجنة الوطنية للموسيقى لعدة سنوات، ومثل العراق في مؤتمرات وندوات ومهرجانات دولية. * له الكثير من التسجيلات في دار الاذاعة والتلفزيون العراقية، اضافة الى تقديم العديد من العروض المنفردة لآلة العود في الصين وايران والمانيا وانكلترا والولايات المتحدة الاميركية ومصر ودول الاتحاد السوفيتي السابق. * من مؤلفاته الموسيقية: الغجرية 1944، وادي الموت 1949 ، من وحيها 1952 حورية الجبل، مهرجان بغداد، سماعي ماهور 1949 ، سماعي رست 1972 بشرف شعر عريان 1974 ، سماعي نهاوند 1948 |