قحطان جاسم جواد
في اواسط الثمانينيات تعرفت على الفنان الكبير الراحل عباس جميل بواسطة الصديق الناقد الموسيقي عادل الهاشمي الذي ادين له بالفضل في اثراء معلوماتي الموسيقية والغنائية.. ومنذ ذلك الوقت تعمقت علاقتي بالفنان جميل وكنت احضر امسياته الفنية واكتب عنها كما كنت عونا له في نشر الكثير من مفاهيمه وارائه حول الفنانين لكن اكثر ما كان يحبه ويعتز به هو لقب عميد الموسيقى العراقية الذي اطلقته عليه نقابة الفنانين في مطلع عام 2000 فكان يطلب مني تعميم هذا الوصف لانه يليق به ويوصفه وصفا دقيقا.. لذلك كنت اناديه به واطلقه عليه في كتاباتي عنه وعن الموسيقى والغناء في العراق..
كان رحمه الله انسانا رائعا وذكيا وعارفا في شؤون الموسيقى والغناء في العراق ويمتلك ذاكرة طرية رغم تقدم العمر به (1912 ـــ 2006) كما كان يحترم الكبير والصغير من الفنانين ويقدم المشورة الفنية لكل من يطلبها منه.
وظل يعمل حتى اواخر ايام حياته حيث كان مديرا لفرقة الرافدين الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة وتخرج علي يديه مئات من الفنانين سواء من الموسيقيين او المطربين اضافة الى كونه يمثل خزينا عميقا لتاريخ الفن الموسيقي في العراق.
عباس جميل من مواليد 1912 ولد في محلة سراج الدين ببغداد وتوفي في 5/1/2006 درس الموسيقى قبل دخوله معهد الفنون الجميلة حيث درسها اكاديميا لسبع سنوات وتخصص في العود ولحن اول اغنية في عام 1948 والتي دخل الى الاذاعة العراقية من خلالها في نفس العام..
وكان قد تتلمذ على يد الفنان روحي الخماش قبل دخوله المعهد ثم درس على ايدي سلمان شكر وجميل ومنير بشير ومنير الحكيم والفنان التركي عدنان بوبورس..
كما مارس الغناء بصوته تحت اسم عباس قمري بسبب الظروف الاجتماعية حيث كانت العوائل لاتقبل على اولادها ان يصبحوا مطربين.
كان عباس جميل فنانا مجتهدا ينطلق في الحانه من معرفته الواسعة بالمقامات العراقية مثل المخالف والابراهيمي والبهيرازاوي والحجاز ديوان والكرد والعجم عشيران والبيات والرست والصبا..
وكانت طريقته (في التلحين) كما يشير الهاشمي تبدأ من استخدامه السلم الكامل للمقام في الاغنية مع تطعيمه بانغام قريبة من المقام الاصلي كما الحال مع اغنية (غريبة من بعد عينج يايمة) التي ادتها باقتدار المطربة زهور حسين وهي من مقام الصبا.. كذلك يستلهم عباس في الحانه طريقة الفنان العربي زكريا احمد في تلحين الاغاني الشعبية ولعباس دور كبير في ترسيخ الاغنية الشعبية من خلال الحانه لاجيال موسيقية عديدة مثل زهور حسين وسليمة مراد ووحيدة خليل وعفيفة اسكندر ومائدة نزهت ولميعة توفيق..
كذلك لحن عباس العديد من القصائد الشعرية التي تعد الاصعب في التلحين من الاغاني الشعبية نذكر منها قصيدة (اترى يذكرونه) اداها بصوته وقصيدة (هل تذكرون غريبا عاده الشجن) واداها فاضل عواد.. اما اشهر الحانه الشعبية فنذكر اغنية (ابو عيون الوسيعة.. ويم عيون حراكة.. وجيت يا اهل الهوى.. والعيون.. ويايمة شاري هواي وما يقدرولي نيشانة.. وعلى الشاطي تلاكينة.. وعلى عنادك.. وجاوين اهلنه) والاخيرة تعد من الاغاني الاثيرة على قلبه وقد ادتها لاول مرة المطربة وحيدة خليل ثم قام بتوزيعها اوركتسراليا احد الموسيقيين الجيك عندما كان يعزف في الفرقة السمفونية العراقية وقدمها في جيكوسلفاكيا عام 1967 ثم اعاد عباس اداء الاغنية بصوته لحبه لها واخيرا جاء دور ولده فيصل فسجلها بصوته للتلفزيون. |