اجتاح فن الفيديو وبحذر, ومنذ بداياته في اواخر ستينيات القرن الماضي, صالات العروض التشكيلية المتخصصة وغير المتخصصة بل وحتى دور السينما في فترة وجيزة مقارنة بفترة نضوج فنون التشكيل التقليدية الأخرى في بداية نموها, والذي يثير الاهتمام والفضول في هذا النمو السريع المتعجل هو غموض والتباس توظيف الصورة المتحركة في العمل الفني التشكيلي مما يثير احياتا بعض التشكيليين المهتمين بالصورة الثابتة والفنون التركيبية الى الخوض في الفيديو والصورة المتحركة كمحاولة لولوج هذا العالم المتحرك العصي على الفهم احيانا؛ ألمتلقي المتباين المراجع يقف بدوره امام قطع في مدركاته الحسية التي صحت وترعرت في احضان التأمل وقراءة اعمال التشكيل التقليدية كاللوحة والمنحوته.
قراءة اولية في الفنون المعاصرة
ترتبط الفنون عموما بالانسان وعلاقته بالموجودات في ما حوله ما يدفعنا, وبقليل من العزم, الى وضع ضوابط ومرتكزات لمحاورة واستنطاق العمل التشكيلي الذي اخذ دور المنتج الرقمي حتى يبدو لك ابتعاد النفس الجمالي التأملي وتحديق مبهم في اكثر الاحيان في شاشة تحرك فيك هاجس الشارع الميكانيكي الغاص بانواع واشكال الشاشات من لوحات الاعلانات ورنين جهاز النقال الى حوادث العنف والاغتصابات وهمسات الطيبين في حياة اخرى اكثر طمأنينة وبساطة . ليس هناك تعريف متكامل يحتوي الفن المعاصر ويفنده بشكل منهجي, لكن هناك تساؤلات تقود لأجابات محاصرة بتساؤلات اخرى واجابات أخرى وهكذا, ولتسليط الضوء على العمل الفني المعاصر, الفيديو على وجه التحديد, ينبغي وضع التساؤلات ادناه:
1. تأمل العمل, ماذا ترى؟
عادة ماتكون النظرة الأولى للعمل سريعة ومركزة وربما تثير مشاعر غريبة ودفينة عند المتلقي لتكوين فكرة ضبابية لوصف العمل.
2. كيفية بناء العمل؟
قد يلجأ المتلقي الى البحث في المصادر والمراجع لمعرفة مواد العمل وكيفية بنائه, ولكن بشكل عام ينبغي معرفة الطريقة والتكنيك التي يشتغل عليها الفنان وايضا الأدوات المستخدمة وعلاقتها تاريخيا بالانسان, واذا كان العمل يعتمد الصورة المتحركة فعل المتلقي معرفة نوع الكاميرا المستخدمة مع ملاحظة اختلاف الكاميرات بين كاميرا 16 ملم والسوبر 8 والكاميرا الرقمية, هل ثبتت الكاميرا او حملت في اليد اثناء التصوير, هل اشتغل الفنان حول ثيمة معينة, هل هناك مساعدون للفنان اثناء انجاز العمل ام هو انجزه بنفسه.
3. التحليل البصري والتكوين ؟
انظر العمل من زاوية محددة ثم من زاوية أخرى ومن الأعلى والأسفل للوصول الى تكوينات او تكوين العمل والزاوية الصحيحة, الألوان المستخدمة, حارة ام باردة, ثم البحث عن دلالات تاريخية او دينية او اخرى معاصرة, وايضا ملاحظة الأشياء خارج مساحة العمل الفني, ماهي الأشياء المضافة او المحذوفة ومحاولة ربط اجزاء العمل وعلاقتها ببعضها, هل هناك جزء رئيسي يربط بقية الأجزاء.
4. الاصغاء والتفكير في والمؤثرت الصوتية؟
بامكانك الاستماع ومتابعة مايقال في العمل الفيديوي في اي وقت تشاء لانه فلم دوار( مكرر وقصير في اكثر الاحيان) وغير معلوم البداية والذروة والنهاية كما في الافلام السينمائية, وملاحظة كيفية سرد الحديث ومضمونه.
5. البحث عن المضمون؟
يفضل هنا استخدام ملكة الخيال وحب الاطلاع للوصول الى فكرة شمولية لمضمون العمل, هل يتناول العمل ظاهرة سياسية او اجتماعية معينة, اسم العمل قد يخدمك في الوصول الى المضمون, هل يغير النص التوضيحي المقتضب للعمل تحليلك الشخصي.
6. المكان وعلاقته بالعمل؟
غالبا مايحدد الفنان مكان وطريقة العرض ولكن لمنسقي المعرض حق في التنظيم وتغيير المكان او الطريقة, كيفية عرض العمل في هذا المكان وهل يغير رأيك في العمل, هل هناك مجموعة فنانين يعرضون في نفس المكان وماهي الخطوط المشتركة بينهم في هكذا مكان.
7. خلفية الفنان وغرضه؟
من المهم ايضا معرفة اسم الفنان والبلد وتاريخه الفني لربط هذه الخيوط في عمله, لكل فنان عموما موقع شخصي على الانترنت, او لقاء الفنان شخصيا والتحدث معه اثناء افتتاح المعرض, او قراءة ماينشر عنه في الصحف والمجلات والانترنت بالاضافة الى كاتلوج المعرض.
نظرة موجزة لثلاثة اعمال فيديوية
للمرة الخامسة افتتح بينالي يوتبوري العالمي ( من 09-09-05 الى 09-11-15) المقام حاليا في ستة اماكن فنية مهمة في مدينة يوتبوري السويدية بمساهمة 17 فنانا من كافة انحاء العالم. كاندس بريتز ( تولد 1972 في افريقيا الجنوبية, تقيم وتعمل في المانيا) اسم العمل: بطل الطبقة العاملة (بوتريت لجون لنون) مدة العرض: 39:55 دقيقة تاريخ العمل: 2006
نشرت الفنانة اعلانا في الصحف البريطانية وفي الانترنت حول من يعشق المغني الانجليزي القتيل جون لنون للقدوم الى مدينة نيوكاسل لتسجيل اغاني البومه الاول عام 1970 واستطاعت اختيار 25 شخصا من اليابان وايطاليا واميركا وبريطانيا من مجموع 400 شخص. يتكون العمل من 25 شاشة بحجم 40 بوصة عرضت على خط واحد وبأقل من مستوى النظر, شاشة لكل شخص من هؤلاء العشاق الذين لم تسنح لهم فرصة الغناء بشكل جماعي او الاستماع للاغنية لتصدح اصواتهم بدون موسيقى في وقت واحد وكأنك تسمع غناءا كورسيا لرجال يستحمون في حمام عام في بغداد. الاغلبية من هؤلاء يرتدون ملابس متواضعة وفي منتصف العمر حتى نستشف انهم مهتمين بالموسيقى والغناء لاكثر من اربعة عقود, والمثير للانتباه انك ترى فقط بورتريت لكل شخص امام قطعة قماش ذات لون داكن محايد حتى يصعب عليك رؤية الشاشة كاملة لعتمة المكان وايضا يصعب التركيز للاستماع الى شخص محدد الا اذا اقتربت جدا من الشاشة ولكنك تسمع بعض التشديد على بعض الحروف من احدهم ربما لتأثره الشديد في الاغنية ولخبرته في الغناء. وظفت الفنانة مصطلح الاستهلاك التجاري في العمل الفني حيث لنون استهلك اغانيه وهؤلاء العشاق استهلكوا اغاني لنون كما المتلقي يستهلك العمل الفيديوي. السؤال هنا هو لماذا اختارت الفنانة لون محايد كخلفية للمقلدين, الم يكن ومن الاسهل لها ان يرسل كل شخص نسخته ويختار المكان الذي يغني فيه, وكيف سيكون العمل لوكانت هناك موسيقى؟
كولتج عثمان ( تولد 1961 في تركيا, يقيم ويعمل في تركيا وبريطانيا) اسم العمل: 12 تاريخ العمل: 2003
ترى في هذا العمل ستة اشخاص من مدينة ادنا العربية التركية يتحدثون عن حياتهم السابقة, حيث ان معظم سكان المدينة يؤمنون بانهم يمكن ان يولدوا من جديد في نفس المنطقة وفقط الذي يقتل او يموت صغيرا يتلبس في شخص حي اخر ويتذكر حياته السابقة ليبحث عن اهله واقاربه ويشاركهم افراحهم واحزانهم ( تناسخ الارواح) اي ان لبعض الاشخاص منهم حياتين ولهذا سمي العمل بهذا الاسم. حالما تدخل صالة العرض تفاجئك شتة شاشات بحجم 42 بوصة معلقة بشكل عمودي بخيط من السقف وسائبة القاعدة لتذكرك بابواب تؤدي لغرف اخرى او حياة اخرى او تذكرك بالصورة الشخصية الرسمية في جواز السفر, في كل شاشة ومن الجهتين يتحدث شخص عن ذكرياته في حياته السابقة, طريقة العرض توحي بالهوية الشخصية والثقافية للانسان المتمثلة في المكان الذي يعيش فيه. التقنية في عمل الفنان بسيطة حيث اعتمد الكاميرا الرقمية وتصوير الاشخاص في منازلهم واعتمد ايضا الصورة القريبة والعفوية المباشرة والصادقة مما يثير فيك علاقة حميمية مع هؤلاء الاشخاص وكأنك ترى فلم فيديو عائلي وشخصي. في هذا العالم الذي يوصفه العمل لاوجود لحياة زمنية واحدة بل زمنين منفصلين في زمن آني ليتنقل الاشخاص الستة في سرد حكاياتهم بين الزمن الحالي والماضي, اراد الفنان الوصول الى ان الحياة والزمن الحالي لاتستند الى الموضوعية والمنطق والتحليل العلمي بل للهوية فيها دور كبير كما قال الفنان في لقاء صحفي " الهوية ليست شيء يمتلكه الشخص بل يحمله" وبطبيعة الحال يمكن للشخص وضع الحمل جانبا ليستريح قليلا ثم يحمله مرة اخرى ليواصل السير اي انه يمتلكه حينا ويلقيه حينا اخر تماما كما في حكايا وذكريات هؤلاء الاشخاص.
فيونا تان ( تولد 1966 في اندنوسيا, تقيم وتعمل في هولندا)
اسم العمل: غدا تاريخ العمل: 2007
عندما تقف امام العمل لتدرسه تنتظر سماع مؤثر صوتي حتى يطول الانتظار وقد ينتابك الضجر, ولكنك ترى فقط مجموعة صبية يافعين, ذكورا واناثا ومن مختلف الاجناس, يقفون بصمت على شكل دائرة والكاميرا تتحرك حولهم ببطء يكاد يشل حركتهم ويصيبهم بالحيرة والقلق لتصورهم في شاشتين, الاولى صفيرة بحجم 32 بوصة لتصوير الهيئة الكاملة للصبية تنتصب امام شاشة كبيرة تتوسط حائط الغرفة المعتمة (تقريبا 4×8 م) لتصور الوجوه فقط . تشعر بالحميمية ازاء هؤلاء الصبية وكأنك قابلتهم يوما في مكان ما ولكنهم مجهولي الهوية, هل هم شباب الغد الذين لم تشاهدهم في الافلام الوثائقية والتسجيلية المتعارف عليها في بيان الصورة المثالية المفتعلة, هل استطاعت كاميرا الفنانة تسجيل ماتهمله كاميرات الافلام الوثائقية. تشتغل الفنانة على منطقة بين الخيال والتوثيق مع الادراك بأن الكاميرا ليست اداة محايدة في التوثيق وعكس الحقائق, وتتناول ايضا موضوعة الأنا والآخرين في اطار الهوية والهجرة كما نرى في فلمها المصور في ضاحية تينستا في مدينة ستوكهولم التي غالبية سكانها من المهاجرين, كما قالت الفنانة في كاتلوج المعرض " المتلقي يكشف النقاب عن مشكلتين معاصرتين متضادتين, العلاقة الحميمية بين البصر والذاكرة والمعرفة, ركزت في اعمالي الاخيرة على عدم الثقة في الذكريات البصرية" |