|
|
دور الكلدان الآشوريين السريان في نشأة الموسيقى العراقية المعاصرة وتطورها |
|
|
|
|
تاريخ النشر
14/11/2009 06:00 AM
|
|
|
د.سعدى المالح
تبوأت الموسيقى منزلة ذات شأن في المجتمع العراقي منذ العصور القديمة. ونظرا لأهميتها ودورها الفاعل في الشؤون الدينية والدنيوية للناس دخلت المعابد والقصور الملكية والكنائس وأصبحت ترافق الكثير من الطقوس اليومية. وحصل العراقيون على إرث موسيقي غني من قدمائهم في عصور مختلفة. ومع بداية النهضة المشرقية، تحديدا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدأوا بإحياء تراثهم الموسيقي من جهة والنهل من منابع التراث العالمي من جهة أخرى، فتمكنوا بذلك من أغناء ميراثهم الحضاري وخلق موسيقى عراقية معاصرة. ولعب المسيحيون من الكلدان الآشوريين السريان دورا رياديا كبيرا وهاما في الفنون الموسيقية المختلفة في العراق المعاصر تواصلا لدورهم التاريخي المعروف في هذا الفن، ابتداء من سومر وبابل وآشور، ومرورا بالعصور الساسانية والإسلامية المتقدمة والمتأخرة. لقد برع هؤلاء في صناعة الآلات الموسيقية، والعزف عليها، والتأليف الموسيقي، وتشكيل الفرق الموسيقية والغنائية وتطوير النظريات الموسيقية. وبرز بينهم ملحنون وعازفون وأساتذة موسيقى ومؤلفون موسيقيون يعدون روادا لهذا الفن السامي، كان لهم شأن كبير في الحياة الفنية العراقية إلى جانب أقرانهم من القوميات والأديان الأخرى. والجدير بالذكر أن معظم هؤلاء الرواد كانوا إما شمامسة في مختلف الكنائس المشرقية أو أولاد شمامسة أو درسوا الموسيقى وتعلموا العزف في صغرهم في المدارس المسيحية الخاصة التي كانت منتشرة في العراق في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكانت هذه المدارس إلى جانب مدارس اليهود كالاليانس وغيرها تقدم دروسا في العزف على مختلف الآلات الموسيقية والغناء والتأليف الموسيقي. وكان للآباء الدومنيكان في الموصل دور ريادي بارز في ذلك، واليهم يعود الفضل في إدخال آلة الاورغن الكنسي ذي الأنابيب الهوائية الكبيرة إلى العراق، إضافة إلى آلات غربية أخرى مثل الآلات الهوائية : فلوت ، ترامبيت ، كلارنيت... الخ. كما قاموا بنشر التعليم الموسيقي في مدارسهم، وتشجيع الطلاب على ذلك، فأسسوا جوقات غنائية ، دينية ودنيوية، من طلاب هذه المدارس لتنشد في الحفلات التي تقيمها مدارسهم. إذ بلغ عدد المدارس التي كان الآباء الدومنيكان يديرونها في عام 1900 نحو 22 مدرسة في الموصل وضواحيها للأولاد والبنات ما عدا مدارس محو الأمية والمدارس الحرفية. كل هذه المنجزات أثرت، بصورة لا تقبل الشك، في تنمية الوعي الفني الموسيقي وتشجيعه في مختلف طبقات المجتمع. وهذا أدى إلى ظهور شخصيات موهوبة في الفن الموسيقي آنذاك أبرزها: اسكندر الزغبي(1838- 1912) الأعمى الذي أحب الموسيقى منذ يفاعته وبرع فيها وأصبح أستاذا للموسيقى في مدرسة الدومنيكان في الموصل، وقدم هذا الأستاذ الجليل أعمالا موسيقية عدة شملت أناشيد دينية ومسرحيات غنائية.(1) من جهة أخرى كان للألحان الكنسية القديمة لكنيسة المشرق بشقيها الغربي (السرياني) والشرقي (الكلداني الآشوري)، والتي تعود إلى القرون المسيحية الأولى، والمحفوظة في كتاب (كزّا- كنز الألحان) و( الأشحيم) وغيرها من كتب صلوات الفرض، وللآباء والشمامسة المرتلين، الذين حفظوا هذه الإلحان جيلا بعد جيل، تأثير كبير في ظهور المقامات العراقية وعدد من الألحان الأخرى إما على نحو مباشر عبر التراتيل والأناشيد والمزامير السريانية أو غير مباشر عبر الألحان الفارسية التركية. ولا يخفى أن الكثير من مغني المقامات وعازفي الجالغي في القرن التاسع وبداية القرن العشرين كانوا إما من اليهود أو المسيحيين، فقد ورد ذكرهم في كتاب" المغنون العراقيون والمقام العراقي" للشيخ جلال الحنفي(2) بينما أغفل الحاج محمد الرجب في كتابه " المقام العراقي" جميع الأسماء المسيحية واليهودية!(3) وفيما يلي نلقي الضوء على دور السريان الكلدان الآشوريين في الموسيقى العراقية المعاصرة ( في القرن العشرين) مركزين فقط على بعض رموز هذا الفن من الذين أسهموا في نشأة الموسيقى العراقية المعاصرة وتطورها بشقيها العربي والكوردي من دون ذكر العشرات من الموسيقيين والمطربين الآخرين المختصين بالموسيقى السريانية أو غير البارزين على نطاق واسع على الساحة العراقية.
صناعة الآلات الموسيقية: كان حنا عواد 1862-1942(4)( والد الأستاذين الشهيرين كوركيس وميخائيل عواد) واحدا من أعلام الموسيقى العراقية المعاصرة، ورائدا من رواد صناعة الآلات الموسيقية وتطويرها، " فقد أمضى معظم حياته في صنع الكثير من آلات الموسيقى الوترية الشرقية. وأول ما ابتدأ يصنعه منها الآلة المسماة في الموصل الجنبر، وهي ضرب صغير من الطنبور أو البزق. وكانت هذه الآلة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كثيرة الانتشار ودائمة الاستعمال في مدينة الموصل وما حولها من قرى"(5) وبحسب ولديه (كوركيس وميخائيل) إن حنا عواد أدخل تحسينا عظيما على هذه الآلة. فبعد أن كان بدن الآلة، فيما مضى، ساذجا، يُصنع من طاسة تؤخذ من جوزة النارجيل المجففة صار هو يصنعه من (أضلاع) خشب على غرار ما يتبع في صناعة بدن العود. وأدى تطور صناعة هذه الآلة، بهذا الوجه، إلى تحسين صوتها، إضافة إلى ما اكتسبته الآلة نفسها من أناقة وجمال.(6) وأقبل حنا عواد أيضا على صناعة آلة القانون الشهيرة، وأدخل عليها تحسينات جمة منها استبدال خشب " وجه" القانون و" بطنه" اللذين كانا يصنعان من "الدلب" المعروف بالجنار بخشب "الجام"، فأصبح بذلك صوت هذه الآلة جهوريا ورخيما جدا، فضلا عما نجم من هذا التحسين من خفة وزن الآلة مما سهل حملها ونقلها.(7) وهذا التحسين الذي أجراه حنا عواد على آلتي "الجنبر" و"القانون" – برأي العوادَين- يشبه التحسين الذي أجراه زرياب على عوده الذي أصبح يضاهي عود أستاذه اسحق الموصلي(8) كان العود يستورد من اسطنبول وحلب والشام حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكان حنا عواد يقوم بتصليح الأعواد التي أصابها العطب لبعض الضباط الأتراك الذين كانوا يفدون إليه في الموصل، ومن خلال ذلك تعلم سر هذه المهنة فصنع أول عود مماثل لتلك التي كان يصلحها، وكان ذلك بحدود عام 1890. وبهذا يعد حنا عواد أول من أدخل صناعة العود الحديث إلى العراق من دون أن يتلقى هذا الفن على أستاذ.(9) ويقول ولداه كوركيس وميخائيل في المقال الآنف الذكر إنه صنع 318 عودا ونحو ألف جنبر و400 قانون و4 كمنجات. ومن بين الأعواد التي صنعها عوده الأخير رقم 318 الذي صنعه في عام 1933 وجعله مسك الختام لحياته الفنية. ويُعد هذا العود رائعته الفنية، فعبر فيه عن براعته المكتسبة خلال حياته، فأدخل عليه من ضروب التفنين في الزخرفة والتطعيم والتخريم ما يخلب الألباب. وبلغ مجموع قطعه الخشب المتخذة فيه 18 ألف قطعة تتألف من صنوف الأخشاب: الجوز والمشمش والأبنوس والنارنج والجام والدلب والاسبندار. وقد عزف على هذا العود وأشاد به أهم الموسيقيين العراقيين والعرب من أمثال المصري شحادة سعادة والشريف محي الدين حيدر والاستاذ منير بشير ، كما وتبوأ هذا العود مكانة مرموقة في معرض موسيقي أقيم في مكتبة المتحف العراقي ببغداد عام 1976.(10) ويتحدث أكثر من مصدر عن أن بشير القس عزيز( والد الفنانين جميل ومنير وفكري) كان من قدامى صانعي العود في الموصل وعازفا ماهرا وشماسا قديرا ملما بالألحان الكنسية ومرتلا في كنيسة السريان الأرثذوكس في الموصل.(11) لكن مع الأسف لم نتمكن من الحصول على معلومات كافية عنه.
الرواد الأوائل:
أسكندر زغبي: يعد أسكندر أنطون زغبي واحدا من أوائل الموسيقيين والمغنيين المسيحيين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ولد في الموصل عام 1874من والدين أصلهما من حلب (سوريا). كان موسيقيا وزجالا موهوبا على الرغم من أميته وعماه بسبب إصابته بالجدري منذ طفولته. كان ينظم الزجل على السجية ويلحنه بنفسه، ثم يرسله غناء وإنشادا على الأسماع. ويقال أنه كان وحده بمثابة فرقة موسيقية، إذ كان يعزف على آلات موسيقية عدة في آن واحد، فينفخ بالمزمار ماسكا بها بيد، ويضرب على الصنج باليد الأخرى، ويضرب على الطبلة برجله. ولذلك أُختير معلما للموسيقى في مدرسة الآباء الدومنيكان بالموصل لعدة سنوات حيث كان يدرب التلاميذ على مختلف الآلات، وخاصة الاورغن الذي يستخدم في التراتيل الكنسية. وينسب إليه تلحين جميع التراتيل المجموعة في كتاب(الكنارة الصهيونية لتسبيح العزة الإلهية) جمع المطران إقليمس يوسف داود زبوني، والمطبوع آنذاك في مطبعة الآباء الدومنيكان.(12) وقد تمتع اسكندر زغبي بقدرة فائقة على نظم الأغاني الزجلية وتلحينها وتأديتها فألف الكثير منها واشتهر بها في الموصل. ولا يزال الموصليون يرددون بعضها، ومنها: طاف البنا بالشط طاف، و بزّونتي بزّوني، وعَلْ جنجلي سكران وعقلو كري، والخفيسانة وببالي، وفنجاني ، والولد المدلل وغيرها. والولد المدلل التي هي من تأليفه وألحانه غناها سعيد سحار لأول مرة في 12 شباط 1912 في مدرسة الآباء الدومنيكان بالموصل.(13) يقول إدمون لاسو في مقال له عن زغبي أن زجلياته وغنائياته تعد صورا انتقادية حية لأحوال المواصلة وعاداتهم إبان العهد العثماني، لذا استجاب لها الناس بعفوية وانتشرت بينهم سريعا، بل بقيت عالقة في أذهان بعضهم حتى اليوم. وكان زغبي ينظم هذه الأغاني على ما يعتقد محمد صديق الجليلي على ألحان أغان أخرى كانت شائعة في الموصل في الجيل السابق. بينما يعتقد د. عمر الطالب أن الزغبي تأثر بموسيقى الملا عثمان الموصلي الذي كان قد أشتهر أمره بالموسيقى بالموصل.(14) وإن كان زغبي موسيقيا على السليقة يعتمد على الحس الشعبي إلا أنه ربى مئات الطلاب على حب الموسيقى والعزف وقدم أعمالا ما تزال حية في مدينته.
حنا بطرس
أما رائد العزف والتأليف الموسيقي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية فكان الفنان حنا بطرس (1896-1958) (15) الذي اشتهر بتلحين الأناشيد المدرسية والوطنية. ولد حنا بطرس في الموصل وتخرج في المدرسة الإعدادية عام 1914 وبدأ دراسة الموسيقى على ضابط عثماني لمدة أربع سنوات وفي عام 1918 دخل موسيقى الجيش العثماني ثم رقّي إلى رتبة رئيس عرفاء لنبوغه في الموسيقى. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سُرّح من الجيش وعُيّن معلما. وفي عام 1921 أقيمت أول دورة كشافية في الموصل فعُيّن حنا بطرس مراقبا للكشافة ومدرسا للموسيقى. (16) وفي تلك السنة (1921) لحن النشيد الموصلي (شعر الشيخ إسماعيل فرج الكبير) ودرب التلاميذ عليه فأنشد في الحشد الجماهيري المتصدي للمطالب التركية بولاية الموصل، يقول النشيد:
لست يا موصل إلا دار عزّ وكرامة أنت فردوس العراق حبذا فيك الإقامة (17)
وقدم حنا بطرس الكثير للحركة الموسيقية العراقية ، فقد أدار أول جوق لموسيقى الجيش في الموصل عام 1923، ودرَّس الموسيقى في دار المعلمين الابتدائية في بغداد عام 1925. تخرج في المدرسة الدولية البريطانية في العام 1931، حاصلاً على دبلوم بدرجة امتياز(بروفيسيانس) في علوم الموسيقى والتأليف والقيادة الموسيقية، وأسس في عام 1936 المعهد الموسيقي بوزارة المعارف ببغداد وكان أول مدير له قبل استقدام الشريف محي الدين حيدر(تحول هذا المعهد فيما بعد إلى معهد الفنون الجميلة، وأصبح حنا بطرس معاونا للعميد فيه) وعمل كذلك مشرفاً على الموسيقى والنشيد في إذاعة قصر الزهور منذ تأسيسها من قبل الملك غازي الأول عام 1936 . وفي عام 1941 شكل وقاد أول فرقة سمفونية عراقية ضمن معهد الفنون الجميلة، قدمت حفلتها الأولى على حدائق الكلية الطبية الملكية في بغداد.(18) وربما القليل جدا من العراقيين والعرب يعرف أيضا إن النشيد الوطني المعروف:" موطني .. موطني/ الجلال والجمال في رباك"( كلمات إبراهيم طوقان) والذي تعلموه في المدرسة وذاع صيته في معظم البلدان العربية هو من تلحينه. وألف حنا بطرس العديد من الكتب في الموسيقى منها: كتاب "مبادئ الموسيقى النظرية – بغداد 1931" و كتاب "مبادئ النظريات الموسيقية – بغداد 1945"، وكتاب "الأناشيد الوطنية والقومية" 1945، الذي ضمَّ عدداً كبيراً من الأناشيد التي قام بتلحينها وتقديمها في فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وله مؤلفان آخران هما " حياة الموسيقيين العالميين" و "وأصول قيادة الاوركسترا" ومؤلفات عدة للكمان والبيانو. فضلا عن ذلك ترك عددا من الكتب غير المطبوعة التي يذكرها أبنه باسم في مقاله المذكور منها: تاريخ الموسيقى- بغداد 1952 وقاموس المفردات الموسيقية (انكليزي – فرنسي- عربي) 1956 ومدونات التراتيل الطقسية الكلدانية- 1956. وكان حنا بطرس شماسا إنجيليا ومؤدياً قديراً لتراتيل الطقس الكنسي في الكنيسة الكلدانية، وهذه التراتيل هي عبارة عن مقامات يؤديها الشمامسة في الكنائس الشرقية السريانية (الآشورية الكلدانية السريانية) منذ القرون المسيحية الأولى في الأقل، وهي المقامات التي عليها تأسس فن المقام العراقي فيما بعد. تدرج حنا بطرس في رتب الخدمة الكنسية بدرجة (شماس إنجيلي) مؤدياً قديراً لتراتيل الطقس الكنسي الكلداني، سجل فيها أول اسطوانتين فونوغرافيتين لشركة (صوت سيِّدِه – His Master’s Voice) بمصاحبة الكمان (عازف الكمان سامي الشوا – من حلب) والقانون (نوبار ملهاسيان – أرمني من تركيا) والعود (داؤد الكويتي موسيقار يهودي من العراق)، ضمَّنها أربع تراتيل، منها "كاروزوثا دحشّا" و "قوم شبير" باللحن الخاص بالجمعة العظيمة، و"قصة كيّاسا". (19) ومن مقطوعاته الموسيقية: 1- الروندو الشرقي Rondo Oriental (للكمان والبيانو، ثم للأوركسترا السمفونية 1936)، 2- اللحن العربي Melodie Arabe (للكمان والبيانو، 1938)، 3- تأملات موسيقية (للفرقة الهوائية والفرقة السمفونية 1941) في خمسة مصنفات. 4- مجموعة من القطع الموسيقية المؤلفة خصيصاً لأجواق الموسيقى الهوائية. 5- لحنَّ عدداً من التراتيل الكنسية، وخصوصاً لحن بأربعة أصوات (هارموني) لترتيلة (طاس وَن حيث رَيش – إنحدر ملاك من السماء) الخاصة بقيامة المخلص.(20) سعيد شابو : ويعد سعيد شابو من رواد الرعيل الأول من الموسيقيين الكلدان السريان الآشوريين في العراق. كان له دوره الملحوظ في العزف والتلحين والتعليم الموسيقى سنوات طويلة امتدت من العشرينيات وحتى نهاية الستينيات. في السادسة من عمره وجد الطفل سعيد أباه يرتل الأدعية ويؤدي مراسيم الصلاة في كنائس الموصل، وراح يقلده في ما ينشد ويرتل. وعندما كان تلميذا في مدرسة شمعون الصفا الابتدائية (كانت المدرسة تابعة للكنيسة الكلدانية تديرها مجموعة من الراهبات) طلب المدرس (جميل نوري، معلم الموسيقى والأناشيد) من تلاميذه تشكيل فرقة طلابية موسيقية، فكان سعيد أول من لبّى النداء بدوافع حبه للموسيقى وسار على أثر والده. وتعلم في تلك الفرقة العزف على آلة الترامبيت وأصبح رئيسا لها. كان ذلك قبل أن ينهي دراسته الابتدائية، أي بعمر عشر سنوات وربما أقل ! في بداية عام 1925 انتقل من الموصل إلى بغداد ودخل (دار المعلمين الابتدائية ( ودرس النشيد على يد الاستاذ نوري ثابت (مدرس الرياضة والنشيد في الدار وصاحب جريدة حبزبوز). ويقول سعيد شابو:" وشكلنا أثناء دراستنا في الدار فرقة موسيقية غنائية تتكون من لويس فرنسيس على آلة (الآكتو) وزكريا يوسف على آلة الترمبيون ويعقوب عبد المسيح على آلة الكونترباص ( الصوت الغليظ) وخليل حنا على آلة البارتيون". وفي عام 1928 تخرج في دار المعلمين الابتدائية وعين في مدرسة رأس القرية في محلة الدهانة ببغداد ، بعدها انتقل إلى مدرسة الطاهرة الابتدائية ببغداد. في العام 1930 شكل فرقة أناشيد من طلاب المدرسة التي كان يعلّم فيها. ثم عين مشرفا عاما للنشاط المدرسي في مدارس بغداد وانصرف إلى تلحين الأناشيد ومنها ( نحن الشباب لنا الغد) والنشيد الحماسي المشهور ( لاحت رؤوس الحراب/ تلمع فوق الروابي) وهو من تأليف مدرس مجهول. ويعد من بين الأناشيد العراقية والعربية الخالدة لصدق كلماته وعفويتها وانسجام اللحن الذي يدعو إلى التضحية في سبيل الوطن العراقي بكل قومياته ومختلف أديانه ومذاهبه. (21) ولهذا النشيد قصة، لا أحد يعرف من هو الكاتب الحقيقي لمفرداته، حتى ملحّنه الفنان الكبير الراحل سعيد شابو، الذي روى حكايته مستغرباً سطورها؛ عندما كان مشرفاً تربويّا زار إحدى مدارس بغداد، وبينما كان في طريقه إلى مغادرة تلك المدرسة، ناداه أحد المعلمين من كبار السنّ وسلّمه ورقة بالية، وضعها شابو، في جيب سترته، وعندما وصل إلى بيته تذّكر الورقة البالية وأخرجها من جيبه، فإذا هي كلمات (لاحت رؤوس الحراب)، وقد أعجب بها وسرعان ما لحنها، وحين أراد تسجيلها لم يعثر على اسم الشاعر في الورقة، وكان قد نسي في أيّ مدرسة التقى فيها هذا الرجل المسن صاحب كلمات النشيد، الأمر الذي جعله يزور جميع المدارس التي زارها سابقاً ، ومع هذا لم يعثر على الشاعر ! (22) . في العام 1936 دخل الفنان شابو معهد الفنون الجميلة، وكان شابو أول طالب عراقي يدرس الموسيقى على آلة البيانو على يد المدرس الايطالي جوليان هرتس، وفي تلك الفترة وضع أول ألحانه التي حملت عنوان "الطيار" والذي عمم على مدارس العراق للإنشاد الصباحي، كما قدم اللحن ذاته من الإذاعة اللاسلكية آنذاك. يقول الفنان شابو " أما أول لحن قدمته لمطرب فكان من نصيب المطرب الكردي الراحل علي مردان وذلك في العام 1949 ." في عام 1958 عمل في معهد الفنون الجميلة، ثم نقل إلى وزارة التربية. وفي عام 1964 أسس معهدا موسيقيا للأطفال. في عام 1969 اُحيل على التقاعد ، لكنه ظل يواصل عمله الموسيقى فأصبح مشرفا على فرقة الموسيقى الخاصة بالأطفال في الاذاعة العراقية . كما عمل أستاذا في مركز التدريب الإذاعي وتخرج على يديه عشرات الموسيقيين العراقيين. (23) لسعيد شابو ثلاثة كتب أناشيد: 1- أغاني الجمهورية العراقية الحديثة، بغداد ط1، 1959 ط2 1960. 2- الأناشيد القومية الحديثة ، القاهرة 1948. 3- الأناشيد الوطنية الحديثة ، بغداد 1941. 4- كما أصدر في عام 1962 ( دار الموسيقى للأحداث ، بغداد 1962)(24)
|
|
رجوع
|
|
|
|
|
|
|
|
انضموا الى قائمتنا البريدية |
| |
|
|
|
|
|