نوال السعدون : تمائم الحنين .. والدهشه

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
17/01/2010 06:00 AM
GMT



دائما تنشغل بفكرتها عن ان طبيعة الأشياء والوانها   مثلما يهمها دراسة اقتراب تلك الشياء  من بعضها وكيفية  تأثير بعضها ببعض.. مثل صانعة تمائم سحريه مدهشه . هم نوال السعدون هذا قرّب اهتماماتها الكثيره :  الرسم ومدلولاته  والتصويرووظائفه ،والفلم  ومنجزاته التقنيه ، وهي ثلاثيه من اهتمامات تشترك في وصف تجربتها الفنيه . ان كل مفردة لها ثلاثة ابعاد تصلح للترميز والأشاره في انشغالها الفني  .. وكان كل استيعاب بصري قديم ، يحمل مضامين المكان – البلاد والمنفى  ، هو استيعاب لخواص لونيه وتعبيريه  مستقله لكل محمول من محمولات الذاكره او وثائق الرسم : تخطيطات ومشاريع .. ولوحات وصور.
*
كانت كل مدركاتها البصريه تشير الى تحولات الشكل . ترقب ذلك وتقارن وتصوغ مفرداتها بخصوصية العين والبصيره . وكانت كل الأشياء المجاوره للشكل عندها ،   تكتسب مؤثرات متبادله مع بعضها ، وهكذا كانت محمولاتها الأنطباعيه عن علاقات الأشياء مع بعض تسم تجربتها الأولى منذ السبعينات . وان كنت هنا  لااتعقب خطوتها  التاريخيه ، لكني أتأمل تحولاتها بحسب التجارب  وبحسب المكان . ومثلما تشكل انتقالاتنا البصريه متغيرات الأشكال فأن طباع المكان المتغيره ومؤثراته الحضاريه ستصنع تفاعلا جديدا ينعكس عند نوال السعدون على فضاء  عملها الفني .
وقد لااخطيء الحدس ان نوهت بأن منظومة العلاقات البصريه عندها ظلت تعكس مؤثرات ذاكرتها البصريه الأولى لتصوغ نهايات اشكالها  وموضوعاتها بحسب مؤثرات مكانيه وايحائيه غير منظوره حتى في  انشغالها التكنيكي المتقشف ..
لقد اقامت الكثير من علاقات تصويريه في لو حتها ، وسنجد في انشغالها الفوتوغرافي والفيلمي تلك المؤثرات الأيقاعيه لبصيرة تمتلك حافظة ثريه تديم  تفاعلات عملها الفني ..
*
في الرسم ، تدرك منظومه الصلات بين اشكالها ، فهي لاتفرد الأشكال بل تقيم  تناغمات لأيقاع متنوع ومتقارب لتلك الأشكال حتى لتبدو لوحة نوال السعدون كبيئة من تجانس الأجزاء والأشكال او كتسلسلات لمخرجات تفاعليه تتحاشى التضاد وتشرحه كتطوير فني ورؤيوي فقط . اللوحه عندها تشَكّل حي لمحمولاتها البصريه ودلالاتها في ايقاع  يكرس استيحاءات ورؤى جديده في انجاز اللوحه ..وواجهتها عند العرض  . لايمكن للوحةِ نوال الاّ ان تشير الى شفافيه موحيه .
*
في رفضها الدائم  لاستنتاجاتنا البصريه ، وحتمياتها ، تغاير اعمالها التشكيليه معطياتنا التي كانت الواقعيه والطبيعه قد اسهمتا في  بزوغها في ذائقتنا المسبقه . ان تجربتها التشكيليه تقوم على وحدة اللوحه ومعيارها التعبيرى ولغتها الخاصه .. وكل انجاز آخر يلي اللوحة هو اعتراف بأستقالية العمل السابق ونبوغ معناه الخالص الذي لايشابه المعاني في عملها التالي او المعاني  التي حملتنا بها تجاربنا في التلقي ورصد المرئيات . انها تقول مفردتها الخاصه بعيدا عن كل نمط . انني لااعزل نوال السعدون عن التجربة السياسيه والتاريخيه ، وجدلية الحياة في بلاد الرافدين ، وقد عاشت كل مرارات الهجرة والأغتراب ،  بل اشير هنا الى انها تقول في كل ذلك لغتها الخاصه التي اتسمت بها تجاربها الفنيه  بعيدا عن اي خطاب . انها شاهده حيه ، لكنها وبشكل لالبس فيه تظهر كل مرة لتمثل حضورا له معطياته  الجديده عبر عمل جديد .
*
ان نوال السعدون من جيل  شاكس  فيه الرسام طويلا كل تكامل مثالي في القواعد الكلاسيكيه للرسم ، لذلك جاءت التجارب الحديثه لتقيم نظام الأشكال تلك التي تراعي خصوصية التشكيل كوسيط ولغه ونمط غير حتمي لكل تكامل . ان لانهائية الهدم في الرسم هو نمط من اركيولوجيا  في محتوى آخر غير الذي نبحث عنه ،وهنا تجيء تجارب فنيه لتشير الى اهمية الوجود الذاتي الخاص للعمل.. اي انه ليس تسلسلا لعمل آخر او تطويرا له او تفسير لتحولاته بقدر ماهو وجود له خصوصية الحضور ، ونوال السعدون فعلت ذلك وهي تتفاعل مع خواص المكان وخواص التجربه الزمنيه واهميتها العضويه في صياغة لوحة خاصة .. لانمط لوحه .
*
في تجارب نوال السعدون اغتراب  زمني  و مكاني للعمل  ينطوي على   تثمير لكل طاقة الرسام للأيحاء بالجمال وليس تكريسه او حتى تصويره .. ثمة ما يقول في لوحاتها بالجمال وبدلالاته  برغم انها لاتسعى الى اية تخصيصات جماليه في تجربتها  .. وتلك جديله الرسم اليوم  .