المقاله تحت باب محور النقد في
07/09/2007 06:00 AM GMT
تتكون ادوات التشكيلي من جزئيات مختارة بعناية تبدأ من اختيار مادة اللون ونوعية الخامة لتنتهي باشياء روحية وحسية اخرى تتمدد على سطح اللوحة ومرتكزة على موضوعة آنية او مخطط لها مسبقا, والعمل الجيد يفرض نفسه على الذهن والبصر ليسحب خلفه جمهورا ذواقا متحضرا ومعادلا لفكر الفنان في توظيف الشكل واللون في زمن محدد اثناء انجاز العمل, اي بمعنى آخر ان العمل الفني عبارة عن وسيلة اعلامية بين شخصين او اكثراو بطاقة دعوة لدخول عالم الفنان الخيالي. وبعيدا عن الشكل اللون في اللوحة فانه يحرك فينا التصورات والفنتازيا ويعطينا مجالا اوسعا للرؤية والتأمل لجعل الحياة اكثر ثراءا وسهولة في التعامل مع المنتج الفني بردم الفجوة بين الفنان والمتلقي. في زمننا المعقد والمتسارع الخطى هذا والذي بنى له قاعدة منطقية صلبة تستند على الرقميات والكومبيوتر, على الاقل في الذهن الغربي, اصبحت اللوحة والتخطيط والجرافيك والأحبار والمائيات, وكل مايتعلق بنظام اللوحة, من عبيق الماضي الذي اخذ مكانة ومازال حيا ليكون جزءا مؤثرا في التشكيل المعاصر.
صفاء اللون بين التشخيص واللاتشخيص يسعد المرء وينتابه شعورا بالجمال عند رؤيته الالوان والاشكال في العمل الفني او الحرفي كما في الكتابة الهيروغليفية او الصينية, على الرغم من عدم معرفتنا معنى الكلمة او النص لكننا نندهش لجمال اشكال الخطوط وتعرجاتها وكذالك في الموسيقى فعند استماعنا لمقطوعة لباخ مثلا او لبيتهوفن لانسأل ماهو المقصود وانما نحاول ان نعيش الانغام وايظا عندما تربط ربطة العنق ( اللاتشخيصية) لزم عليك ان تفكر بلون البدلة وموديلها لتنسجم وربطة العنق. سأتخذ هنا احبار التشكيلي العراقي علي النجار([1]) نموذجا لادخلها في مجال المعاينة والتبويب. ارى ان السريالية قد افاقت من غفوتها التي دامت عقودا لتحتل المكان الاجمل في التشكيل المعاصر مما يجعلنا نفكر في مسببات هذه الصحوة؛ ربما العودة الى الجذور في حدودها الجغرافية هي احد المسببات او ربما التفكير بعملية البحث عن الطريق الصائب قبل ان تندلق علينا السماء بفتحتها الاوزونية ومن الممكن ان يكون كلا المسببين صحيحين او مسببات وجدانية اخرى. تعمق النجار في البحث في صندوق السريالية عن الجمال والحدث عند لقاء حيوان اسطوري وديع مع سطح مائي صاف او سماء ملتهبة بشفق غاضب مستمد من ذاكرة الفنان المتدفقة ليدخلها مصنع التجريب والدراسة. يرى المرء في اعمال الفنان المنفذه في الاردن (1999) وللسنوات اللاحقة في السويد وفي المغرب, اثناء زيارة قصيرة للفنان, سطحا موسيقيا مرتبطا بزمنه ومكانه, ويتضح فيه ايظا التناغم اللوني وايظا تقاطعه, الضوء وتوزيعه احيانا بتوظيف لون ورق الكانسل الابيض, جودة ورداءة مادة اللون تحت يدي الفنان مرتبطا ايضا بزمانه ومكانه. يحمل الفنان علي النجار في جعبته الكثير من مقومات التشكيل المعاصر( البناء) في اعماله المنفذة بالاحبار, فهو يجعل الوانه تنساب على الورق بعفوية الدارك لمزالق التشكيل والمتابع لمستحدثات التشكيل العالمي ليخلق منهما اسلوبا شخصيا جديدا. ليس هناك موضوعة صريحة للاعمال ولكن نرى وبوضوح بصمة شخصية تستند على تقنية الفنان المتمرس في بناء اللوحة شكلا ولونا, والمليئة بالالغاز وقسوة اللون وشفافيته لخلق عمقا بصريا مثيرا. ونجد في احباره ايظا حيزا كبيرا لتحريك خيال المتلقي في النور والعتمة التي اصبحت اخف وطأة على ذهن وعيني المتلقي خصوصا في اعماله في مدينة الرباط ([2]). قرب عيني الفنان من الورقة ذات ال 640 غرام واللون يخلق شعورا قويا بسرعة التنفيذ والحضور الذهني الآني لخلق نوع من الموائمة والمتعة الذاتية عند لقاء اللون مع الورقة السميكة والماء, وتكوين وتوزيع الكتل اللونية المتباينة تعطي احساسا خفيا بلون دم المراة الحائض وبرموز ذكورية وانثوية ولكن يمكن ان تكون اشياءا اخرى طبقا لمباديء الرسم اللا تشخيصي. استطاع الفنان ترسيخ وسائله التعبيرية- اللاتشخيصية والتشخيصية- في احباره المنفذة في المغرب حيث نلمس صفاءا لونيا شفافا والميل الى التشخيص وجراة في استخدام اللون وتوزيعه لخلق شعورا بصريا ملغزا لدى المتلقي. استخدم الفنان الحبر المائي والاوفسيت والماجك وكل مايقع تحت يديه لخلق سطح متقن تكنيكيا يرضي رغبات الفنان في التوزيع التكويني للاشكال تحت او فوق سماء سريالية لاتشخيصية.
|