الفن ظاهرة اجتماعية عالمية وجد منذ الازل عند كل الشعوب والامم واينما وجد الانسان.. وهو نشاط يقوم به الدماغ لمساعدته في هذا الصراع الذي لا بداية ولانهاية له..هو امتداد له لمعرفة ما هو جوهري في هذا العالم , فكل نشاط ذهني , عاطفي , جسدي ...يتجسد بالفن انماهو تعبير عن هذا البحث المضني لما هو جوهري في الصراع الازلي للموت والحياة ..البقاء والفناء..الديمومة والعدم ..الذي يحكم عمل الدماغ (من التقاليد العريقة لسكان استراليا الاصليين –الابوريجينيس- انهم يعبّرون عن احلامهم وصراعهم وموقفهم ازاء الحياة بخطوط والوان واشكال في بعدين فقط باروع الرسوم التجريدية/الرمزية ) .
اول ظهور للفن كان مع اختراع الادوات التي وجدت اصلا لتكون وسيط بين الانسان والطبيعة التي هي الخصم الاساسي للانسان في صراعه من اجل البقاء , وهي مصدر قوته وضعفه ايضا . هذا الظهور للفن يُفسر عادة بكونه الوسيلة لاشباع الحاجات الجمالية والمعرفية واثارة الدهشة والبهجة في النفوس هذه البهجة في النفوس هي احساس متأصل في البشر وطبيعة من طباع الادراك الجمالي والمعرفي لما يحيط بنا من ناس اخرين او احداث او غيرها ويشكل عنصرا اساسيا في تكوين الدماغ البشري يساعده في صراعه لاجل البقاء والتي تولد معه وتموت معه (الفرشاة امتداد لعمل اليد والفن امتداد لعمل الدماغ) وهذه الحاجات هي بعض من العديد من الحاجات الاخرى التي لابد للانسان من اشباعها بالكامل حتى يتمكن من البقاء , وهي لاتختلف في اهميتها عن الحاجة للطعام والشراب والملبس والمسكن بل انها تدخل في اساس تكوين هذه الحاجات الضرورية وتشكل بُعدا لها او شكلها الخارجي فالسبب الذي يدعو البشر الى الاهتمام بشكل تصميم منازلهم وعمارتهم وملابسهم مثلا , قد لا يبدو انه ضروري اذا ما تعاملنا مع الحاجات التي تؤديها المنازل او الملابس من ناحية بايولوجية فقط ولكن لماذا اذن تضاف اليها الحاجة الجمالية , اذا لم يكن وجودها نافع وجوهري ؟
وفي حلبة الصراع العراقية العنيفة وغير الامنة حيث تسعى الطبقات الاجتماعية المتعلمة والمتنورة الى انتشال المجتمع من ذبح بعضه بعضا وتوجيه الصراع نحو غايات انسانية لوضع العراق في روح العصر الحديث ولو قليلا يقف الفنان وحيدا , مستفهما او فاعلا وهو يخوض غمار التجربة الحسية والعاطفية والعقلية والجسدية التي تتشكل من خلالها اعماله وشخصيته وهو يواجه المصير والقدر المجهول لافعاله واقواله في سبيل البقاء , فهو قد استجاب فيما مضى لنداء الغربان واستسلم وخضع للطغاة طويلا فدَمر ذاته ودُمِرت روحه... واخرى لنداء الطقوس ...وثالثة لنداء العزلة والانطواء ...وقد استجاب كثيرون ومنذ اكثر من ثلاثين سنة لنداء المنافي والاغتراب حتى تبدوا اشكالهم الان وقد نحتها الانتظار كانهم سكان كوكب اخر.
الفنانون وقد تم شرائهم والتنكيل بهم لاربعين سنة تم اعادتهم الان الى الصفوف الخلفية طي النسيان واسدل الستار عليهم وتم تدمير انجازاتهم وهم الان عالة ليس الا , وتعرض اعمالهم وضمائرهم بالمزاد وكانهم باعة في حوانيت واستعيض عنهم بالواعظين وخطباء الجوامع وبهواة الرقص والتمثيل والشخبطة على الجدران وتم تسليم امر مؤسساتهم وابداعهم الى من لايهمه امرهم , وشوه مجدهم وانجازهم (ليس المقصود فنهم الدعائي المُذِل والرخيص في تمجيد ودعم الطغاة , مع انه من الواجب الاحتفاظ به للدراسة والبحث التاريخي )..وحرقت ملفاتهم وضاع تاريخهم بالهباء وتمرغت راياتهم بالوحول واستبدل الموهبين منهم باشباه الهواة , مالذي يبحثون عنه في غابة الوحوش والسماسرة هذه ؟ ومالذي يمكن لهم ان يقدموه ؟ ماذا يمكن ان يقوم به فنان ما – كفرد- يريد ايصال صوته وصورته لايقاظ الضمير والعقل والحس المدمر ؟...مالذي يمكن لفرد هش تتنازعه الامواج في محيط المصالح والقوى المخفية والظاهرة ...الوهمية والحقيقية ان يفعله في سبيل البقاء ؟
لاشئ ...وربما هذا اللاشئ هو العمل الوحيد القادر على الحياة وسط هذا العدم .....
فليبقى طي النسيان , سيقول السماسرة وعشاق وخبراء التخدير ...لاشئ غير ماهو عليه الان ...فقد لاينجح ابدا كما قد يخيل للبعض كما نجح مثلا سماسرة ما يسمى بفن مابعد الحداثة ( زعنفة تافهة من خدم تجار السياحة والفاحشين بالثراء ) ...او فن المزادات ...او تجار الصور وخدم رجال الاعمال ...والاغنياء اللصوص ...والحمقى والكسالى من اصحاب العقارات والابنية .....
هكذا اذن لاشئ........
لاشئ غير السؤال :
مع من اتصارع في سبيل البقاء ؟ ولماذا ؟
من سبب لي كل هذا البلاء ؟ ولماذا ؟
لماذا انا في الوجود ؟
....................................؟
.......................................؟