هيثم حسن : الكتلة تغادر عزلتها

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
12/06/2010 06:00 AM
GMT



يشتق هيثم حسن من ذاكرته مثالية َ الفكره ، ومغايرة التعبير ،  وهو يكسر رتابة الكتله اليوم ..
انه يُعنَى بتغيير ابعادها واختزالها كمخلوق مؤنث ، موحٍ .. ملوّنٍ وغريب .
هذه المرة ، يلتفت النحات هيثم حسن 1957 الى الحاضر كفاصل خفي مليء بالموروث الأنساني وكأنه يستعيد قراءة الماضي بيديه  . يختصره في استدراك مختلف  لكل قدامه تركت ارثها  اساطيرَ  وحكايا . انه يفعل ذلك  برغبة  ابتكار نصه البصري الخاص كنحات ومصور ؛ نصه الجديد  الذي يستعيد كل ميثولوجيا انسانيه ، وهو خزين لذاكره ومعنى .. يفعل هذا في وقت يكاد ينسى العالم تاريخه ويعق البشر بحق رموزه ومرجعياته وجذره العميق .
*
  كان هيثم حسن يقبل على مشغله ، وكأنه يلامس بكارة الكتله لأول مرة ..
ورغم ان تلك الكتلة قد الفت اصابعه وحرفته ومبتغاه ، لكنه مثل صبي صغير يكتشف النار ، بخوف وحذر وبكاء . يكتشف الفلز ويترجم رنينه ومحتواه .  وفي معرضه الجديد 2010 ، يعبر النحات هيثم حسن  ماضيه الشخصي ، ليؤسس لحاضر كتلته  وجودا واشكالا وكأنه يجترح اسطوره لكل الهام  منبعث وكل ادراك . وهو في اغترابه يعيد  ملامسة الحكايا  والأساطير بكل مثاليتها الدينيه او مغزاها الروحي مكترثا بجفاف الحاضر . و بمنحوتاته يمد ايامنا بمبتكرات اصابعه وهي تجسد ابعادا وسطوحا ورليفات نادره . ان نفحته الشخصية تتجسد هنا ، في الوفاء لتعبيريته كهوية نحتيه  اذ يستعيد مقوماته الشخصيه عبر قراءاته الحروفيه في دفتر الميثولوجيا الأنساني . ثم يعيدها في  صيغة  كتل  خاصة هي كناية عن اعمال نحتيه تعبر انسياب السطوح الى نشوة الأنفعال واللغه الأدراكيه والى  فراغات ومحسوسات وحفور وكأنه يعبر خامته الحاضره ليتوغل في حجر الأمس ويشتق معدنه ورؤيته الجديدين .
*
النحت بالنسبة اليه ابتكار يومي باهر مثل دهشة السكون في الحجارة والمعدن وخامات الأرض.
النحت يعبر التكرار والوظييفيه ليجعل الصنعة واتقانها عناصرتعزز الرؤيه الفنيه .
 لكن الخبرة  تمنح  الحجم تناغمه وتؤآخي التركيب وتصنع تركيز العمل الفني  .
النحت لديه  بؤرة معرفيه وإفصاح عن ايقاعات متقابله بين المعنى والدلالة وبين كتلة الحضور المتماسكه في القوة وفي اللون  . واذ قرأ الأسطورة بعينين معاصرتين هذه المرة وباسقاطات  خاصة فقد انجز فكرته ، معرضه الجديد ،  معززا احدث اتجاهات الفن والعماره والنحت  والخبره ب :
 متوازيات معاصرة ومستلة من الماضي ، تجاوز لكل متناظرات مألوفه ، ادماج لتفاصيل في مخمل كلي ، ملمس موحي بخصائص وحركة حيويين من البصري الى الرمزي ، الأيقاع والحركة  المختلفين ، عدم تكريس اية تحريفات نافره في العمل النحتي - الفني وايحاءاته . استعمالات جريئة لخامات مختلفه ..
مالذي فعل هيثم حسن وهو يستعيد عشتار وديموزي ..وكيف رآى الى بروميثيوس وسيزيف وكيف استعاد  انكيدو وجلجامش وباخوس وزيوس .. انليل ومردوك  وغيرهم ؟ ان  كل عمل تندمج فيه تفاصيل مكثفه ومنسابه على كتلة النحت لتوكيد روح الأستلهام ولمسة التعبير.. ويهتم  بحفظ خواص وهوية – مضمون- العمل  بأنتمائه الى مرحلته  . التعامد والأمتداد .. الصلابه وتدفق المعنى الرمزي دون تفصيل تشريحي لتوكيد طريق آخر للأنسياب : الأيقاع والتواصل مع خطوط متباينه كنوع  من توكيد الحركة التعبيريه وكلمسة من امتدادات النحت الحديث .
*
لااتزان او نعومه مطلقه بل تحكم بالتكوين الملخص والمجرد .
 قوة في الصلة والدلاله والحيوية بين البيئات المختلفه  .  كتل واجساد مجرده  لاثقوب ولاالتواءات غريبه بل تكريس لوحدة التمثال وخلفيته او وحدته على قاعدته .  الأختصار مقابل الأتساع في محاولة لتكريس مدخل جديد للحكاية .  النحت هنا يشتغل كراءٍ يحدث معاني وايماءات وملامح تعبيريه  ..انه ينشغل بتجريد شخوصه ولكن خطوطه مختصرة بتلقائيه ملفته في دلالة الخيال التعبيري . وخصوصيته في  الأنشاء والحركه  اللذان  يحرران انسيابيه الشكل فيصير اقرب الى الهيكل ولكن بألوان متباينه .. الفراغ وتكويناته  عالم يتغير وبصيره تشي  بلحظات تأمله وهو يكرس دينامية الحركة ورسوخ المعنى واشاراته . وهيثم حسن  حين يجتهد في اشتقاق خواص نحتيه لمشروعه انما  يعكس  مميزات النحت الحديث بكل ملامحه   في خصوصية الكتله و التركيب واستخدام اللون ونزعة التعبير المتعدد بمواد مختلفه -- خشب طين حجر برونز ورق وغيرها   . و دون صعوبه  ترمي تعبيريته خواصها الفرديه على العمل النحتي لتقيم   ثراءه ملمحه الفني ومعانيه الأدراكيه في لغة فرديه ونزعه ابتكار. 
 ان لغة نحتيه مقروءه في معرضه الجديد  تفند كل احكام ثابته على حركة النحت ومعطياته .. وفيه  يعطينا هيثم حسن نموذجا لأسلوب التعبير الفني في فرادات شخصية ومميزات تعبيريه تحفظ تلك السمات الخاصه  وتميزها..  انه  متحررمن كل حدود برغم صدى الماضي في قراءاته ومراجعه لموضوعات معرضه ،  لكنه بسحريةٍ خاصه  يميّز لمسة النحات ورؤيته التي يرميها دون انحيازات، ان ميزة هيثم  حسن هو انه نحات يهتم في بحثه عن خلاصه المعرفي وعن نقائه التعبيري . وهو يطلق  قرءات متعدده تستهدف تكريس الوعي بالحاضر وتجلياته .. الحاضر على انه مرايا لأمتدادات وآفاق .. ومعارف سحريه لانهائيه لعالم محدود .