المقاله تحت باب محور النقد في
23/01/2011 06:00 AM GMT
تعد مشكلة الفن في الممارسة اللاواعية لبعده الثقافي . وهي خصلة تنسحب على كافة الممارسات الجمالية الاخرى. كما ان خطورة تلك الممارسة تنسحب من جانب اخر الى الانحطاط بالذائقة الفنية للعامة او خلط الاوراق في يد المتلقي.الا ان تلك المعضلة الثقافية لها من يعنى بها وثمة من يتصدى دائما لتحريك المياة الراكدة في المشهد البصرى.ان الصعوبة الحقيقية في الفن تكمن في البحث عن الاضافة المنتجة ووضع التفصيل الجديد على خارطة اي مشهد فني او ابداعي. ما يمثل الواجب الثقافي الذي لاتنهض به سوى القدرات الخلاقة.وليس ما يقدمه كل من هيثم حسن واحمد البحراني وناطق الالوسي سوى نوع من الدفاع عن ممارسة ابدعية طالما بدت لنا سلوكا ضامرا او مشهدا ضبابيا في التشكيل العراقي نظرا لما يقع على فن النحت من سلوك يحاكي كراهة النحت في المجتمع العربي.
ان فن النحت كما هو حال فن الرسم وغيرة يعاني بالضرورة من ممارسة جمعية تبدو لاول وهلة نوعا من الاشكال ،غير انها في حقيقتها ممارسة لابدمنها لتكون بمثابة البارومتر لاي تفوق يجري من خلالها او على هوامشها.ان سعة المشهد لايمكنها ان تضلل عين القارئ المتدربة والعارفة في اي نشاط على تمييز الحصان الاسود.ان ماقدمه كل من هيثم حسن واحمد البحراني وناطق الالوسي في المعرض المشترك على قاعة الاورفلي كتجارب منتقاة بعناية.لم يكن الا اجراءا احتفائيا بتجارب عرفت عن تفوقها الدائم في فن طالما عانى من العصيان .عصيان يبدو ضرورة للكشف عن التجارب القادرة على هضم واعادة انتاج التجربة، والخلاص من مشهد طالما اجتر فيه الكثيرون تجارب اسلافهم مما جعل اي تفوق يبدو واضحا ومكشوفا.وليس هذا التفوق الامفرز او خلاصة كاشفة عن الوعي الذي يتمتع به هولاء النحاتون بما يتوجب عليهم فعله.ان الاخلاص للتجربة كان كفيلا بتوهج افكارهم ورسوخها في مشهد تشكيلي يبدو الان كأي نشاط تلتبس فيه الافكار والاشكال.غير ان الزمن كفيل برسم النقاط المضيئة على خارطة الثقافة التشكيلية.وهو ما يراهن عليه كل فنان مجتهد .
هيثم حسن:شعرية النحت يمارس هيثم حسن في منحوتاته نوعا من الاحتفاء الانساني بشخوصة .وهو يمدها بشعرية قد يستمدها من شعرية المكان لـ (جاستون باشلار).حيث لايترك منحوتاته في وحشة المكان .كما انه لايسمح ان تمارس تلك الاجساد حضورها في عراء الفراغ. فهو يمارس نوعا من الحنو عبر الشعور بانسانيته شخوصه .ان حضور تلك المنحوتات في فضاءات اقرب الى ما يعيش فيه الانسان ، ضمن يومياته من خلال اكساء شخوصها وفضاءاتها ،بما يبدو نوعا من الثياب .فضلا عن علاقتها مع موجودات المنزل كالبرافانات او النوافذ والجدران .ومن خلال البنية الزخرفية للجدار المتحول الى نافذة او الصورة المعلقة على راس المنحوتة.فان منحوتاته تعيش في اماكن حميمة اقرب ما تكون لما يحبه الانسان ضمن سلوكه الفطري.نوافذ مزوقة وحواجز تعطي المكان دفئا .انه يحيل الجدار الى قيمة حسية مالوفة عبر الاضافات الشكلية .فليس الصورة الا ممارسة لاحالة الجدار المحض والافتراضي الى جدار غرفة.
كما يجري هذ السلوك على ترحيل الجدار الصلد عبر تفكيكه زخرفيا الى نافذة اليفة.تحل فيه الزخارف والاقمشة محل الستائر. ان هذا الصورة المكتملة لمنحوتاته تأتي كاجراء نهائي بعد بناء الاجزاء من مواد مختلفة يكون الشكل الرئيس في عمومها من (الفايبر كلاس) ثم يجري تركيبه على خلفيات من الخشب المخرم.ان هذه التجربة تشي بمخططات اولية لكل عمل فني، حيث يركب الشكل من عدة خامات وهي خامات لاتكتفي بذاتها .بل هي في حاجة دائمة لما يستقدمه النحات عبر ممارسة تصويرية.و بذلك يكسر النحات حاجز النحت نحو فضاءات تجريبية أمنت له بالنتيجة صفة التفوق .فهو لايترك لخاماته ممارسة حضورها بقدر ما يمارس الفنان سطوته على عناصرها ليعيد انتاجها دون ان تفصح عن خصائصها الواضحة .وهو اجراء يبدو مدروسا مسبقا .وضمن خبرة اسست له اسلوبا يحتفى به ضمن التشكيل العراقي.حيث استطاع ان يخرج من دائرة النحت التقليدية بقيم بصرية كان من العسير ان تحضر لولا داب هذا الفنان. كالقيم الزخرفية والشعرية البصرية الحاضرة في اشكاله النهائية. والتي استطاع من خلالها ان يقدم بنية جديدة ليس فقط للشكل النحتي، بل امتدت الى فضاء النحت العصي،ليشركه في صناعة العمل.
احمد البحراني: نشيد النحت. مراوغة المعدن تعد تجربة النحات احمد البحراني بعيدة كل البعد عن مشهد النحت العراقي عموما وتفصيلا مهما فيه.وهي محاولة اخرى للخروج من رتابة الشكل النحتي عبر خيار نحتي صعب.فهو يلجا الى القيم البصرية المحضة لفن النحت.كما يترك للنحت ان يلقي بظلاله على كل الموجودات محيلا اشكالها الاولى الى بنى موسيقية راسخة. فهو يجرد اشكالا تبدو مالوفة لنا طالما اعتدنا على حضورها ضمن محيطنا. .و ربما نحاول ان نقربها الى اكثر الاشكال الفة في ذاكرتنا كالكراسي والمصاطب و الاشجار.فهو يداهم حواسنا بما هو مشاكس عبر طرح بلاغاته الخاصة في الاقتراب من الصور الراسخة في اذهاننا.او ما يسمية (الكشتالتيون) بـ ((الأشكال المشخصة الحسنة)) بوصفها أشكالا لها ملامحها وأصولها في الوعي.أي أن لها أساساً معرفيأً متكاملأً .
كما أن لها هوية تختلف بها عن سواها. وهي تمثل مرجعا بصريا لأي شكل محرف مقارب لها كونها أشكالا أساسية قياسية. ومن خلال مادة تبدو راسخة وصلدة ،مطوعا بنيتها الى اشكال راقصة يكشف من خلالها عن قيم لدنة.ومشاعر طرية.ان تجربة البحراني تمثل نوعا من الرسم في الفضاء الواقعي واحالته الى بنية غنائية عبر حركة الاشكال والتواءاتها الحادة والتي تعرب عن بنية حسية تثابر على حضورها الموسيقى من خلال الخامة العسيرة.ان تفوق هذا النحات يتمثل في اقدامه على الخيارات الصعبة، والمتمثلة بخامة (الحديد)والسلوك الجمالي(التجريد)،وهما عنصران يبدوان اقل الخيارات تداولا في فن النحت،كما انه و بوعي جاد لم ينزلق في مشكلة التكرار او المقاربة .حيث نأى بنفسه وتجربته بعيدا، وهو ما يمكن ان تتصف به كل تجربة خلاقة.ان الصدق في تجربه هذا الفنان تتمظهر في ما وصل اليه من تفوق جمالي واسلوبي.
ناطق الالوسي:محاكات الخامة تبدو اعمال ناطق الالوسي احتفالية بقيم النحت التقليدي ،عبراعادة انتاج العلاقات الانسانية بين الرجل والمراة ،كما يرسخ ذلك الشعور لجوءه الى بنية حسية تحاكي المنحوتات الرخامية بكل ما تشير اليه هذه المادة التقليدية من رقة وبرودة.ان اختيار النحات لمادة يحاكي فيها مادة الرخام لم يكن الا ممارسة تقنية.الا ان التفوق في التجربة يبدو في لعب الفنان على توضيف تلك المادة لتحاكي مجموعة من المواد التي تصب في صالح موضوعه.فهو يحييل الفايبر كلاس الى رخام مرة ونوعا من الحجر مرة.كما انه يحاكي عبر خواصها الحجر البلوري مرة اخرى او الزجاج او الثلج.ان جملة من المعالجات الفنية استطاع من خلالها الالوسي ان يراهن على قدرته على المحاكاة او قدرته على تسجيل الخامات النحتية عبر خامة واحدة.ما اضفى على عمله النحتي قيما حسية مختلفة ساهمت في نجاحه.ان مراهنة الفنان على ممارساته التقنية والايمان بالقوانيين الاكاديمية لفن النحت ساهم بالاستجابة الاستباقية لعمله النحتي.غير ان تلك التجربة لاتخلو من بنى حسية متفوقة.كان على الفنان ان يخلص لها وان ينطلق من مفاهيم خارج تقنية العمل النحتي والتفكير بالعمل بوصفه بنية معرفية تتطلب البحث عن هامش الاختلاف والناي بعمله عن كل ماهو مالوف ومسالم بالمعنى البصري.ليكون من خلال التباين والخصوصية علامة فارقة بوضوح على جسد النحت العراقي.
20-1-2011 عمان
|