الشاعر يرسم بالكلمات ، والرسام يرسم بالالوان , اما انا فارسم بكامرتي

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
12/02/2012 06:00 AM
GMT



إن العالم ليس كيانا جامدا او موجودات ساكنه ، بل في حالة تحول وصيرورة .تحول في التقنيات تحول في حياة الناس ، في الفن في الثقافة تحول في المضامين لحد الغرابة .جنون في الأخبار..خروج عن المألوف انقلاب بالمفاهيم ..إعلام وتكنلوجيا ألغت الحدود وقصرت المسافات بحيث أصبح العالم قرية صغيرة ..

تنوعت وسائل التعبير انطلاقا من معطيات عصر التكنلوجيا ففي مجال الفن التشكيلي أصبحت التجريدية واتجاهاتها اللاشكلية تمر بطريق مسدود ولم تعد قادرة على التعبير عن روح العصر الذي هيمنت عليه وسائل التقنية والعلم ..

لذلك باتت الحاجة للبحث والاكتشاف لإيجاد فن يمثل روح العصر الذي يخترق حاجز عالم المظاهر ويقف على عتبة عالم جديد غريب لم يعرف عنه إنسان الماضي شيئا ..

من هنا بدات استلهام العلم والبحث والاكتشاف ..بعد إن وصلت فكرة استلهام التراث إلى ابعد غاياتها ..ولم يعد مجديا البحث بها ..

لقد تراجع الاهتمام بالطريقة المألوفة بالفن التشكيلي وتحرر الفنانون من العوائق الأكاديمية والكلاسيكية التقليدية التي جعلت الفن التشكيلي حبيس أفق ضيق محدود . ليحل محلها ومعها استخدام رائعا للاجهزة الالكترونية الحديثة ، مثل الفديو والكومبيوتر وكاميرات الدجتيل وغيرها من وسائل تكنلوجيا العصر واعتمدت من قبل الفنان المعاصر كوسائل جديدة للتعبير..
 
عالم المعرفة والعلم
 

ان عصر التكنلوجيا يمثل عالم المعرفة والعلم , حيث لم يعد الانسان يتعامل مع الطبيعة بالمظهر انما تجاوزها الى الجوهر كما انه اخذ يحاكي الطبيعة ولكن بصيغ متقدمة عن المراحل السابقة . فصنع الكومبيوترمحاكاة لدماغ الانسان وكذلك صنع وسائل اخرى كالفديو والكاميرات الدجيتل والرموت و العديد من الوسائل الالكترونية وذلك للتعبير عن روح هذا العصر .
وبما انني فنان تشكيلي اجد نفسي منتميا لهذا العصر اكثر من غيره من العصور .كما انني وجدت ان هناك حاجة للبحث والتقصي والاكتشاف لسبر اغوار الطبيعة الزاخرة بالعطاء لايجاد اسلوب جديد.

ليس المهم ان نكتشف , بل ان نجدلاسلوب

لقد استعدت الكثير من المشاهد والتراكمات من اثار ورموز وتكوينات مهملة على قارعة نسيان ذاكرة الطبيعة .. حيث اصبحت اراها في بلاطات الشوارع ،على ضفاف الانهار ، اراها
في جلود الحيوانات ’ على جذوع الاشجار وحتى في الغيوم , وربما على جدران البيوت القديمة , وأحيانا اراها في بقايا البوسترات ( الملصقات ) على الجدران .

لقد اكتشفت ان هناك المئات من اللوحات ملقاة على قارعة الطريق من دون ان يلتفت اليها احد وحتى اذا راها فانه لا يهتم بها .اني ارى ( ان الفنان لا يرى بالبصر فقط ، بل بالبصر والبصيرة) انه يرى جوهر الاشياء بمعنى اخر انه يرى ما وراء الصورة .

من هنا بدات افكر كيف انقل تلك التكوينات والرموز ، تلك اللوحات المكتشفة الى قماش اللوحة .
من هنا بدات اتقصى وابحث عن الاسلوب وجدت ان ( ليس المهم ان نكتشف , بل ان نجد الاسلوب )
بما اننا نعيش في عصر العلم و التكنلوجيا , علينا ان نتجاوز المظهر الى الجوهر، كما بات علينا ان نستلهم العلم وبذلك نوظف مبتكرات ووسائل هذا العصر للتعبير عن روحه..

وباسلوب جديد ينسجم مع معطياته , و قريبة من حاجات ومفاهيم الانسان الذي يعيش فيه . من هنا فكرت بتجاوز وسائل التعبير السائدة التي لم تعد مجدية وكذلك عاجزة عن اللحاق بركب العلم والتكنلوجيا .. لايجاد وسيلة جديدة للتعبير
فقررت الرسم بالكاميرة (الدجيتل ) محاولة جعل الكاميرة اداة للتشكيل متجاوزا كونها اداة للتوثيق .كما وجدت انها خير وسيلة للرسم ونقل تلك التكوينات الى قماش اللوحة . وتحويلها الى عمل فني . بعد ان كانت ملقات على قارعة الذاكرة المنسية للطبيعة ..

لحظة استثمار اللحظة

خرجت للطبيعة لا كما خرج سيزان ومونيه وغيرهم من الانطباعيين برسم المناظر الطبيعية . وانما خرجت للطبيعة متجاوزا المظهر الى الجوهر . خرجت للطبيعة حاملا كاميرتي بدون ان اقصد تكوين معين ، وانما اعتمد الصدفة في اقتناص اللحظة .

وكانت اللحظة الاولى عندما اكتشفت عن طريق الصدفة باب بستان قديم صدأ تشققت جوانبه وهناك شخبطة اطفال مع وجود اثار الوان سكبت بعشوائيه عليه . وهناك ظلال لاشجار قريبه منه , انه تكوين تلقائي رائع ، بهرني هذا التكوين . فحاولت استثمار تلك اللحظة , فقمت بتصويرها بالكاميرة .وكانت معتمة بعض الشيء ..عدت التجربة مرة اخرى مستخدما قطعة النميوم كعاكس لضوء الشمس (رفلكتر) وقد كانت النتيجة جيدة ..

ثم جاءت المرحلة الثانية بنقلها من الكاميرة الى الحاسبة ثم طبعها على الكنفاس بواسطة الطابعة (دجتل ) ثم وضعها على الاطار الداخلى مع معالجة فنية ببعض اللمسات بالوان الزيتية من دون المساس بتكوين اللوحة التلقائي ..

وبهذا تحولت اللحظة الزمنية الى لحظة زمكانية بمعنى اخر جمدت الزمان والمكان على قماش اللوحة بحيث جعلت لها طولا وعرضا و كيان قائم على الجدار كفن مستقبلي , اللحظة الزمنية انتهت واصبحت ماضي وانا بالتالي قمت بانجاز عمل فني مستقبلي .

لقد استخدمت العديد من التقنيات والوسائل لانجاز تلك اللوحة .حيث استخدمت التصوير الاخراج,الانارة والتصميم وكذلك الحاسبة ثم الطابعة واخيرا الفرشاة والالوان . مستفيدا من تراكم خبراتي خلال مسيرتي الفنية نحو خمسين عاما .وبالتالي انجزت فلما في لوحة, اطلقت على تلك التجربة تلقائية الرسم بالكاميرة ..