المقاله تحت باب مقالات فنيه في
07/09/2015 06:00 AM GMT
الجهل والرسم لا يتفقان فالرسم أفق معرفي مفتوح على عالم لا يُرى يتخطى الرسم حياتنا ليقيم حياة مجاورة والجمال الذي يخترعه الرسامون ينافس جمال الطبيعة بعظمته.
لا أحبَ لدي من لقاء الرسامين، لقد قضيت سنوات عمري وأنا أتنقل بين مراسمهم. كان رافع الناصري يعرف أنه يسعدني حين أخبرني من خلال الهاتف أنه أقام أخيرا مرسما كبيرا له في عمان.
في المقابل فإن يوسف الناصر كان يعرف أنه يحزنني حين حدثني عن فقده لمرسمه في لندن.
الرسامون هم أحبتي، رمل ساعتي، مَن عرفته منهم ومَن لم أعرفه، الأحياء منهم والأموات على حدّ سواء.
علاقتي بالهولندي وليام دي كونغ لا تختلف كثيرا عن علاقتي بالمغربي أحمد جاريد. ما يخبرني به جاريد كنت قد سمعته من دي كونغ، ويحدث العكس أيضا. نحن نجلس في المكان نفسه غافلين عن الزمن، رامبرنت وسي تومبلي وهيمت وفنسنت والعزاوي ضياء وجاكسون بولوك وفيلاسكز ولويزا بورجوا وإيغون شيلا.. يغادر أحدهم فنفتقده ويحضر آخر فنسعد به.
أجلس للكتابة فيحيطون بي، لا أحتاج إلى العودة إلى موسوعة فنية للتعرف عليهم، هم أصدقائي في سفري وإقامتي، أنا أقيم في لوحاتهم مثلما أسافر من أجل أن ألتقيهم. أتذكر الألماني أنسليم كيفر حين احتفى به متحف اللوفر، كنت فخورا أن المتحف العريق احتفى به في لفتة نادرة، لكونه لا يزال حيا.
بالنسبة إليّ فإن الرسامين يقفون في أعلى سلم المعرفة والخبرة، لذلك أشعر بالإحباط حين ألتقي بجهلة يمارسون الرسم، هواية واحترافا، وهو ما يجعلني أشعر بالقلق على مصير الرسم.
الجهل والرسم لا يتفقان، فالرسم أفق معرفي مفتوح على عالم لا يُرى، يتخطى الرسم حياتنا ليقيم حياة مجاورة، والجمال الذي يخترعه الرسامون ينافس جمال الطبيعة بعظمته.
فكيف يمكن لمَن يجهل الرسم أن يكون رساما؟ بالنسبة إليّ فإن وجود كثرة من الرسامين الجهلة بشؤون الرسم هو الفجيعة الأكبر التي يعيشها الرسم في العالم العربي، وهي سبب تخلفه بل وانهياره. ونحن اليوم بسبب كثرة الفائضين نعيش لحظة فاسدة في تاريخ الرسم.
من جريدة العرب
كاتب من العراق
|