المقاله تحت باب مقالات فنيه في
06/12/2007 06:00 AM GMT
يهيمن الفلم والفيديو على الحياة الفنية الراهنة ليشكلا العمود الفقري لها, واحيانا يجد المرء ان هذا امرا غريبا وشاذا, ولايكمن وجه الغرابة في انهما احتلا مكان الصدارة في الفن المعاصر نظرا لما لهذا الحجم الهائل من الصور المتحركة التي نراها يوميا في التلفاز او السينما او الحاسوب وما الى ذلك وانما في المدة الطويلة التي استغرقها لبلوغ هذه المنزلة التي يحتلها اليوم.
سمي قرن العشرين بقرن الصورة المتحركة, ولاشك ان الفلم اكتشف في عام 1895 ولكنه وصل للجمهور العريض في بداية القرن العشرين. 1935 بدأ البث التلفازي التجريبي في الولايات المتحدة, وبعد عقدين من الزمن بدا البث الفعلي في جميع انحاءالولايات المتحدة, اما في اوربا الغربية فتأخر ذلك عقدا آخر. 1965 اطلقت شركة سوني اول كاميرة فيديو محمولة للاسواق. 1970 اصبح البث التلفازي الملون واستخدام اشرطة الفيديو امرا شائعا. 1980 ظهر جهاز عارضة الفيديو فوق الرأس( بروجكتور) في مهرجانات الفيديو وقبيل نهاية القرن بدأت عملية معالجة وعرض الافلام في الحاسوب الشخصي ووسائل التخزين الرقمية كقرص الدي في دي. 1996 اطلقت شركة سوني اول كاميرة فيديو رقمية يدوية محمولة ( ديجتال) وبنفس الوقت انتشرالفيديو الرقمي "الديجتال" على شبكة الانترنت التي اخذت بالانتشار الفعلي عام 1994.
ومع ذلك لم يكن القرن العشرين فقط قرن الصورة المتحركة ولكن ايضا اطلق عليه الباحث الالماني والتر بنيامين ([2]) في مقالته الفنية الكلاسيكية اسم " عصر الاستنساخ ".
هذه الوسائل الاعلامية الاستنساخية كالتصوير الفوتغرافي والفلم والفيديو والتلفاز والمكتشفات الفنية الاخرى كمكائن الطباعة واجهزة الاستنساخ والفاكس والبريد الالكتروني جعلت من الممكن انتشار واستنساخ النصوص والصور بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ.
لم يتخذ فن التصوير موقفا محددا من هذه النزعتين ( الاستنساخية والمكتشفات الفنية) في العقود الخمسة من القرن العشرين لانه كان, وحسب التقليد, يتعامل مع الصورة الساكنة, وكذلك كان موقف التيارات الفنية الرائدة كالتكعيبية والمستقبلية والسريالية وهلم جرى ([3]) رغم تأثر المستقبلية والتكعيبية بالصورة المتحركة.
واجه فن التصوير مؤخرا صعوبة بالغة في الاعتراف بقيمة ومكانة الوسائل الاستنساخية مثل التصوير الفوتغرافي والفلم والفيديو على الرغم من تأكيده على المصداقية والتفرد في تنفيذ واستنباط العمل الفني من وحي الاصل. للتصوير الفوتغرافي قيمة واطئة بعض الشيء لغاية العقد الثمانيني من القرن العشرين وكذلك الفلم حتى وصفه الناقد الاميركي ميخائيل فريد ([4]) في الستينيات " لايصنف الفلم كنوع فني حديث", بالاضافة الى خوف الفنانيين المزمن من التكنلوجيا التي انتجت الفلم والفيديو, ولكن تفهم العالم الفني للصورة المتحركة بدأ بالازدياد الى حد ما في العقد الاخير من القرن العشرين.
الفيديو امام التلفاز وهوليود
كانت هناك اسبابا آخرى لصعوبة ولوج الفيديوالى عالم الفن, منها سهولة استنساخ شريط الفيديو وهشاشته مما جعل المتاحف والمقتنين في حالة ترقب وانتظار, وايضا كان التلفاز في العقدين الستيني والسبعيني ذومكانة فنية واطئة لينظر اليه الجمهور كبالوعة مهملة.
من الناحية العلمية كان هناك تقاربا اكثر بين الفيديو والتلفاز حيث انهما يعرضا 25 صورة في الثانية في حين يعرض الفلم 24 .
بدأ الفنانون والجماعات الفنية الذين اشتغلوا على الفيديو انذاك بالابتعاد عن التلفاز او صياغة رؤية جديدة لتوظيفه في العمل الفني كالفنان نام جين بيك وولف فوستل ودان جراهام وجماعة آنت فارم وفلوكوس ومن اشهرها عمل جماعة آنت فارم " حرق وسائط الاعلام" 1975 الذي يصور سيارة نوع كاديلاك تسير بسرعة عالية لتصطدم بجدار أجهزة التلفاز المتفجرة([5]), وكذالك دعى الفنان الالماني جيري شوم الفنانين لعرض اعمالهم التلفازية في جاليريه الخاص عام 1968.
كانت افلام هوليود في تلك الحقبة الزمنية ايضا على الضد من فن الفيديو حيث اتخذ الفيديو طرحا آخر في عدم السرد المفصل والمتسلسل للأحداث مرتكزا على الابتعاد عن السخرية وتصوير حالة بصرية واحدة معينة محددة بزمن محدد.
براءة الفيديو والظواهر الفنية الحديثة
من الغرابة تميز الفيديو في العقد الستيني والسبعيني بالرغبة الجامحة لدراسة خواص وصفات الفيديو كمشروع فني حداثوي في الوقت الذي وصلت فيه الحداثة الى مراحلها الاخيرة ويبدو هذا طبيعيا من ناحية اخرى فيما يتعلق بدراسة وتجريب الوسائل التعبيرية الجديدة ومن اشهر فناني تلك المرحلة وودي فاسيكا وآن صوفي سيدين وجاري هيل وبيل فيولا ونام جين بيك.
هناك اسلوبا شائعا في اطار استخدام وتوظيف الفيديو يدعى " الدائرة المغلقة" التي يعتمد على كاميرا ثابتة تصور بشكل مباشر شكلا معينا على الشاشة في نفس المكان وعمل الفنان نام جين بيك " تلفاز بوذا" 1974 خير مثالا على ذلك والذي يمثل البذرة لفن تركيب الفيديو اليوم.
لم يكن الفيديو ظاهرة منفصلة عن الفن المعاصر على الرغم من عدم اطلاق مفهوما محددا عليه ولكنه عومل كالظواهر الفنية الاخرى كالمفاهيمية مثلا, ليشكل مفصلا مهما من تاريخ الفيديو المبكر.
كاميرة الفيديو
عندما حصل نام جين بيك على كاميرته الاولى نوع بورتاباك يابانية الصنع عام 1965 شكلت تلك دخول وسيلة تعبيرية جديدة الى عالم التشكيل, على الرغم من استخدامه الفيديو والفلم معا على الضد من ماسبقه اليه من الفنانين الآخرين الذين استخدموا فلم 16 ملم في بداية العقد الستيني.
كانت كاميرة بورتاباك بدائية في اخراج وجودة الصور في الاسود والابيض على عكس الفلم الذي تفوق على الكاميرا ولكن سهولة استخدام الكاميرا وطول شريط فلم الفيديو مقارنة مع لفافة الفلم وايضا رخص الكاميرا جعل منها وبسرعة سلعة شعبية رائجة. اصبحت العلاقة اليوم بين الفيديو والفلم هادئة.
ستيف ماك كوين صور اعماله بفلم 16 ملم ولكنه يعرضهم كفيديو وايضا ايجا ليسا اتيلا استخدمت فلم 22 ملم ولكنها عرضت عملها كفيديو منقول الى دي في دي. كانت امكانيات التقطيع والتصحيح الاخرى بدائية وباهضة الثمن لذلك كانت القيمة الفنية لافلام الفيديو الاولى متدنية, ويوجد اليوم عدد غير قليل من الافلام مهددة بالتلف بسبب سمك شريط الفيديو وهناك جزء من افلام العقد الستيني في حالة رديئة جدا يصعب انقاذها.
اشكال التقديم
عرضت افلام الفيديو على شاشات التلفاز في العقد الستيني والسبعيني في مهرجانات الفيديو في حين اتخذت الجاليريات وصالات العرض الرسمية والمتاحف ومقتني الاعمال الفنية موقف المراقب المتردد لتطور هذه الوسيلة الجديدة, حتى العقد التسعيني.
استخدمت عارضة الفيديو ( بروجكتور) لأول مرة في العقد الثمانيني حيث كانت كبيرة الحجم وبدائية الصنع وغالية الثمن ولم تكن البيئة حينها مناسبة للفيديو كما كانت للتصوير الفوتغرافي مثلا, ومع هذا اقتنى المتحف الحديث في ستوكهولم السويدية مجموعة اعمال فيديو وفلم .
اشتهر الفيديو على مستوى عال في العقد التسعيني بظهور الكاميرا الرقمية 1996 مع امكانية وسهولة تقطيع وتصحيح الافلام بواسطة الحاسوب الشخصي, علاوة على رخص الثمن ادى الى ابتعاد الفيديو عن الهامشية ليكون جزءا مؤثرا في الفن المعاصر.
توجد عارضات الفيديو في كل الاحجام مما سهل عملية الابداع والخلق كما في معرض الفنان بيبيلوتي ريست على صالة متحف الفن الحديث في باريس 1999 حيث دمج الفيديو مع مكونات اخرى كالكتب وجدران وسقف صالة العرض.
الفيديو التركيبي والبروجوكترات ليست معقدة الاستعمال ورخيصة الثمن مما شجع فنانين كايجا ليسا اتيلا([6]) 1998 و ماتس يلم 2002 وويرت مال 1999 لرفع فن الفيديو لمستويات جديدة.
مستوى وعدد اعمال الفيديو يشير ربما الى تفوقه الواضح على الانماط الفنية الأخرى بما له من ميزات فنية ساخرة عالية وتقنية متقدمة وكذلك انواع البروجكتورات والغرف الخاصة لكل عمل, ليجعل منه جزءا مهما وحيويا في الفن المعاصر.
انتاج مابعد الحداثة
تغيرت علاقتنا مع الصورة المتحركة والفيديو بظهور اشرطة الفيديو في سبعينيات القرن الماضي, حيث كنا قبل هذا التاريخ نذهب الى السينما او نشاهد التلفاز دون ان نكون مؤثرين, يبدأ الفلم ويصل لذروته ثم ينتهي, ولكن اشرطة الفيديو غيرت الحال بشكل جذري بحيث اصبح للمشاهد القدرة على اعداد ومعالجة الافلام والفيديو.
دوجلاص جوردان([7]) قال ان اشرطة الفيديو, تحديدا, الهمته طريقته في تنفيذ اعماله, وهناك عدد من الفنانين الذين عملوا على تنفيذ اعمال فيديو او فلم جديدة انطلاقا من افلام كانت موجودة مسبقا كدوجلاس جوردان وجون جريمونبيرس وآرني سالا وغيرهم.
عموما يمكن القول ان فن الفيديو يقترب من السينما من ناحية طريقة العرض وليست التقنية حيث نرى انهما يشتركان في قماشة شاشة العرض الكبيرة والفضاء المظلم وحتي الكراسي المريحة.
اما من الناحية التقنية فنادرا مانرى عروض سينمائية فنية تعرض بواسطة بروجوكتور الفلم وليس بعيدا ان نرى مستقبلا استبدال دور السينما بروجوكتوراتها القديمة الى بروجوكترات الفيديو التي تعطي جودة عالية للصورة المتحركة.
المراجع والهوامش:
1. الفن المعاصر ( مجموعة مقالات):
|