مارك جينكنز : تماثيل الشارع .. امتداد لفن الشارع

المقاله تحت باب  فنون عالمية
في 
26/03/2008 06:00 AM
GMT




 
 

واحد من الثلاثي الشهير في تماثيل الشارع اليوم .. الأسود بيتر دين ريكارد والبريطاني بانكسي و جينكنز ، يشتغل الأمريكي مارك جينكنز على اعادة روح فن الشارع منذ ان اجترح الخمسينيون فكرته في رسوم حرة تتجاوز كل رقابة.. اوفي كولاجات وتماثيل من مواد متنوعة هي خامات من الورق والفضلات ونتاج الطبيعة اوكتل ملغزة من مواد صناعية تفرزها الحياة الحديثة بكل ثقلها الميكانيكي العاصف . لكن مارك جينكنز ، يشتغل على ربط هذا العالم بفكرة مستفزة وموحية عبر شوارع المدن الكبرى حيث يفز العابرون كل صباح من مخلوقاته المشكلة من اللاصق الشفاف.. مخلوقات عارية وشفافة او ترتدي ثيابا .. كتل هشة معلقة او ثابته وكأنها تلقي عبارة النقد لزمن يمضي دون توقف لتأمّل حالة الأسئلة التي لاتجد اجوبتها في خطاب السرعة الفائقة..انه ينهمك بصياغات تتناسب مع روحه المتخفية والمجهولة – حتى الآن – وهو يعالج قضية الفرد حين يواجه مصير حضارته التي اقامها وكأنه يواجه عقوبة تاريخية ..

القوة في حداثة متواصلة :
مارك جينكنز – 1970 من اصول لاتينية ويعيش في الولايات المتحدة ، يكمل مشروعه في المدن الأمريكية الكبرى حيث يعلق منحوتاته من اللاصق على كل ركن ناتيء او علامة مرور او وسط الشارع في نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو وفي مدن العالم .. لندن وروما والقدس وباريس وبرلين .. حيث يستفز المارة بمخلوقات دون رؤو، س دون هويه تلتصق بشكل مثير في زاوية مقابلة لحركة الشارع ، ويوكد الفنان -الذي لاصورة له والذي يضع في موقعه 40 صورة لأشخاص يحملون نفس اسمه من اطباء ومهندسين وكتاب وموسيقيين لكنه لايضع صورته بل ان الصحافة والمارة لاتعرفه – كما يفعل البريطاني بانكسي – انه يتحد مع المضمون الرمزي في معالجة تفضي الى علاقة ملتبسة مع المتلقي. انه يوحد بين مواد غير نحتية لأبتكار منحوتات فذة .. ولكن من الهشاشة والليونة .. والتعبير الصعب ..

يقول جينكنز : انني افضل الشريط اللاصق الذي يحمل اسم 3ام سوبر ستريجنث لكن اعدائي هم سلطة البلدية وسلطة المطر ..انه يطارد الخوف من عبارة النحت الثابتة – كتلة النحت ، بشكل يخفف من ثقل التعبير والديمومة الى سحر اليوميات التي يسجلها في منحوتاته الهشة لعابرين تحتمل حياتهم الكثير من الضيق والكثير من الهشاشة ايضا .انه يستعيد سلطة الزمن حيث كانت للزمن قدرته على اعادة تشكيل حياتنا يوم اصبح الزمن مجرد عبارة مؤقته للغة صاخبة ...هي الحياة العصرية ذاتها ..

ومثلما يختفي بانكسي يختفي جينكنز ، لكنه يشتغل في اطار النحت الحديث نحو مابعد حداثة لحركة تتجدد في رسوم الشارع الحرة في كل مكان ، الى الفن التبسيطي الى الآوب آرت كحركة لها ثقلها بين الحركات التأسيسية لفن العصر وقوته ..انه يوحد الازمنه برمتها حيث يجهل الانسان اعداءه ومنافسيه ، فهو في معالجاته ينحتوجوها مبهمة دون ملامح واجسادا مثل مخلوقات سرية دون هوية ويشكل سحريات واوجاعا وتأملات عاجلة ووحشية بمهارة فردية امام اجيال من فناني البوب آرت وفناني نصب الشوارع . انه يسمى صانع الأنصاب الثالث توكيدا لثلاثية - بانكسي وريكارد وجينكنز . ان لدى اجيال من فناني الشارع من الناس البسطاء والشغيلة والشباب وطلاب المدارس وسكيري الشوارع – الكلوشار - حوارا دائما لايتوقف مع البيئة ومع السلطة ومع الفن . انه اعتراض متواصل ومقاومة ورفض مثلما هي تأسيسات فن الشارع في كل عصر . اننا غير معنيين بمناقشة العلاقات الأساسية بين مواد العمل الشعبي المفتوح في فنون الشارع ومنحوتاته .. كما لانناقش فلسفة العمل ، لأننا لو فعلنا ذلك نقنن العفوية .. التي تنطوي عليها قصدية هذا الفن النابض بالحياة وباللغة وبالرمز ..
 

 

الرؤية المرتجلة :
في رؤية تماثيل الشارع عند جينكنز دائما تشكل الدوافع السيكولوجية منطلقات   لأختيار المواد او استعمالها مثلما هي اختيارات - لنقل ارتجالات الأعمال الفنية ودوافعها .. .كما يقودنا في تجربته الى منعطفات روحية ان في البناء او في الأحساس . انه يبني علاقته النحتية في ضوء تبصر متواصل لمنجز سابق ، هو منجزنا الحر ، لكنه سيغفله كل مرة ينجز عملا نحتيا جديدا - ان اضافة الملابس والأقنعة الآن في اشتغالاته الأخيرة تشكل تغيرا في مناخ اعماله حيث يعطي هذه الحيوات امكانية الشروع في حياتنا كما نفعل نحن ... في تجربة نحات نصب الشوارع هنا الحساسية التي تشغل حيزا في التجربة الفنية اليوم .. ذلك ان تقنياته وعناوينه هي جزء مهم من بنية النحت اليوم ، ان كان ذلك بمعناه المتحفي او معناه اليومي والدلالي .. ان مفارقة ثرية هنا نستدل من خلالها على دور النحت اليومي اذا جاز التعبير ، ان المفارقة هنا في اختيار هذه الكتل الهشة الصماء و تشكليلها لكي تسهم في حركة ديناميكية لاتتوقف فيما هي تلعب دورها الستاتيكي .. معلقة على مداخل الشوارع او علامات المرور او عند منعطفات الشوارع ، ثمة اعمال اجلسها على قواعد ثابته وثمة اعمال تتخذ من اماكن رمي القمامة او كابينات الهاتف او الزوايا المعتمة عند مداخل العمارت لتقول هذه الكتل مفارقتها اليومية .. انه لرثاء ممكن لمكنونات الذات وهي تعيش عصر استهلاك لايتوقف .. لقد نقل البريطاني روبرت بانكسي – من خلال شركة منفذة - مثلا فنه الى الأرض المحتلة والضفة الغربية ورسم على الجدارالعازل رغم اعتراض القوى الأمنية الأسرائيلية .. فيما نقل مارك جينكنز اعماله الى القدس .. ومدن اخرى واكتفى الزنجي بيتر دين ريكارد بالعرض الدائم في شوارع حية ونشر صورته مثلما يفعل الفنانون .. لكن بارنكسي وجينكز بقيا شخصيتين مجهولتين يكرسان موقفهما من الفن ومن الحياة بصمت وعزلة اعلامية دائمة تاركين لأعمالهما لتقول خطابها ..ان نصب الشارع عند جينكز تتيح للنحت حضورا يوميا لابصفته خطاب الندرة ، وفن النخب ، بل انه يرسل اشارات لحضور الذات في تجليات من التدفق الفلسفي .. والأرباك المعلوماتي المفضي الى قلق في حركة الشارع ... انه نمط من تكريس الحضور في غياب مؤثر توطدت ملامحه من خلال السرعة والوحدة والفردية .. ان فكرة الجدل العام الذي تشتغل عليه منحوتات جينكز وقد اكتضت زوايا المدن وامتلأت صفحات الصحافة اليومية في عواصم العالم .. وضجت شبكة المعلومات بفنه وبأفلام تسجل تاثيرات منحوتات الشارع التي بثها جينكنز في حياتنا و على العابرين وهو يخترق الحياة العامة الى تلغيز فرديتنا .. اي لفت النظر الى اهميتنا الفردية في كيان مثقل وسريع ولاأبالي ..انها اعمال لاتحمل صفة السكون بل تمثل جدلا صعبا لكنه جدل مجد ليمثل عناصر الصراع في حياة المدينة – لقد شكلت معروضاته في نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو ولندن موجة من التقدير الفني في المنحى النقدي ودلالة غير مكررة لفنان مجهول يختفي خلف اعماله .. وحتى موقعة على الشبكة فأنه لايحمل غير اعمل تحكي سيرته الفنية فقط بأعمال معروضة وتتجرأ بعض البحوث والدراسات النقدية ان تذكر تاريخ ولادته لكنها تجهل كل شيء عن اشتغالاته اليومية المجهوله كفنان بين الناس يردد عبارة الجدل الحر في نصب الشارع التي يزرعها امامنا ومن حولنا ليديم حساسيتنا ويطلق اسئلتنا المبهمة عن معنى وجودنا وسط آلة يومية عاصفة في حركتها