المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
22/07/2008 06:00 AM GMT
يتابع الجمهور البغدادي أعمال الفنانين الرواد، ثم جيل الستينات من بعدهم، ويجد في أعمال فناني هذين الجيلين المتميزين، ما يقف به على تاريخ يكتب نفسه بنفسه، متمثلاً في منجز فني حي، لعله من أهم ما عرف الفن العربي الحديث. غير أن جيلاً آخر من بعد هذين الجيلين ظهر في الحياة الفنية، وربما هما جيلان تداخل واحدهم مع الآخر حياة ووجوداً فنياً ومنجزاً، ليجدا أن هذا «الموروث الحي» من فن أسلافهم يشكل التحدي الأكبر لهم على الصعيد الفني، ما جعل «المأزق» الذي وجدوا أنفسهم فيه كبيراً، فضلاً عن كونه مبعث تحد حقيقي لهم. فمن لا يمتلك الموهبة منهم، ولا يتوفر في عمله على شروط التميز الفني بما يحقق الإضافة لا يمكن أن يحقـــق لنفــسه مكاناً واضحاً فــي واقع حركة لم تتوقف عن التجديد والإضافة. هل نقول بوجود «المعيار الفني» الذي يحكم كل وجود حقيقي في «الحركة»؟ المعيار موجود، وهو معيار يحكم ساحة الفن الجديد والمتجدد منجزات وإضافات، وهو ما يجعل من ظهور فنان شاب مثل باقر الشيخ في معرضه «ذاكرة الجسد» (قاعة حوار للفنون، بغداد) تحدياً فنياً، لا للواقع الفني، وإنما لنفسه فناناً يبحث عن التميز في ما يقدم، فهو لا يستغل غياب الفـــنانين الكبار من الساحة الفنية العراقية تبعاً للهجرة التي لم تـــبق أحداً منهم في البلد، وإنما في ما يؤكد به نفسه في ذاكرة الفن العراقي اليوم. فإذا كان التحـــدي، أولاً، هو من نفسه والواقع الفـــني، في موروثه أو منجزه التاريـــخــي، فإنــــه يقدم في معرضه الأول هذا أعمالاً متمــيزة من خـــلال ما أظهر من براعة في الأسلوب، وفي توظــيف طاقات اللون توظيــفاً لا يخـــلو من براعة، وتمكن من «التعبير- التجسيد» والتنويع فـــي امــتدادات «الشكل» وتواصــلاته التي تنــعقد في اطــار الجسد. وإذا كان الفنان الشيخ جعل من «ذاكرة الجسد» عنواناً لمعرضه، فإن هذه «الذاكرة البصرية» التي شكلتها العلاقة بين «العين رائية» و «الجسد- شكلاً فنياً» أمدت الفنان بإمكانات للتعبير فائقة، ليس فقط عبر رؤيته الموضوع، الواحدي الأصل والتكوين، من اكثر من زاوية للنظر. وإنما أيضاً في ما فجر من خلال هذا «الشكل» من تموجات الحركة التي ساعدته كثيراً على إبراز ملامح التعبير في الجسد، وكذلك في تميزات استخـــدامــه اللــــون الذي كما يمثل زاوية الرؤية لهذا الشكل فإنه يعكس تأثيراته على رؤية الفنان من خلال تمثيلات «الحالة - الوضع» التي يكون فيها هذا «الشكل - الجسد»، والذي ينجلي في أعمال هذا المعرض مختزناً كثافة شعرية عالية تمـــثلها الرؤية وتتجسد في الشكل أو التعبير بإحساس من يتملى هذا الجسد بطاقات متفجرة منه. هذا المعرض هو الأول للفنان الشيخ، لكنه قدم صاحبه فناناً يتقن أصول حرفــته، ويـــدرك أسرار العــمل الفــني بما يجعل منه خطوة واثقة على طريق الفن الحقيقي، نأمل أن تتبعها خطوات تؤكد هذا الحــضور المتـــميز، وتعززه، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الفنان.
|