المقاله تحت باب محور النقد في
28/09/2008 06:00 AM GMT
يأخذنا عالم بتول الفكيكي، الواسع الى مزيج فريد من الاسطورة العراقية والتدفق الانثوي الرقيق، الذي تتخلله الفنانة بباقة سحرية من الاشارات والرموز التي احتشدت داخلها طوال سنوات تطورها ونضوجها الانساني. تروي بتول، عبر سلسلة غزيرة من اللوحات، ملحمة الانوثة العراقية التي تبتكرها الفنانة واضعة ذاتها القلقة، محوراً لذلك الاستعراض الذي يخوض في التاريخ والقصة الشعبية، والقصيدة الغزلية، تضع بتول الفكيكي قصصها الصغيرة المبعثرة، امام المشاهد لتوهمه باطلاعه على اسرار يشاهدها لاول مرة، تقوده عبر قلادة من المنمنات التي ترصع اجساد اللوحة والفضاء المحيط بها، على السواء. تعمل الفنانة داخل حيز لوحتها، على مزج الاشخاص والابعاد الاخرى حوله بمنظومة زخرفية متراصة تتسرب بين الاعمدة الرخامية والابواب التراثية البغدادية، التي تكثر بتول منها.. لتنمو زاحفة على النساء والرجال المتعانقين، او الشاخصين بعضهم خلف بعض، محققة بذلك نسيجاً بصرياً يفصل بين عناصره الخط المائع العاطفي الذي يدلل على بروز هذا الجسد، وذاك الجدار. ثم ينتشر، مثل ضوء الفجر، اللون الشفاف، الذي تستعمله الفنانة، غالبا، بحرص شديد لا تريد له التدفق السريع، الذي يفقد اللوحة ذاك الايقاع السحري الذي اعتمدته بتول الفكيكي في كل اعمالها.حافظت الفكيكي دوما، على وحدة الموضوع المرسوم عبر لوحاتها المتعددة، وكما اشرنا فهي تدون امامنا، بالالوان الرقيقة، ملحمة الرجل والمرأة عبر تاريخ لقائهما الاسطوري. وتذهب بعيدا في رصد اقتراباتهما، وانشطاراتهما، والتصاقهما مع بعضهما. لاغية كل الفواصل والحواجز المكانية والزمانية، نشاهد وجوداً واسعاً لاشخاص اسطوريين، كلكامش، عشتار، داخل معابد، او قصور خيالية، ولكن بتول تسحبنا ببراعة وبسرعة الى اللازمان. فهي تزرع داخل لوحتها، رموزاً بارعة تأخذك الى مرجعيات بصرية متعددة حين تفرش امامك مشهداً ضارباً في تاريخ بلاد الرافدين، بكل عبقه البابلي القديم، تبث هنا وهناك زخارف بغدادية وكتابات فلكلورية، تعيدك الى زمن اخر، وكانها تقول ان لازمان واحد داخل لوحتي، فهي تنتمي الى زمان التقارب الجسدي، والعناق الروحي بين قطبي الكون، الرجل والمرأة. ومثل شهرزاد، تدعونا بتول الفكيكي، لمتابعة ما هو شيق، عبر خيط حريري: يتلوى بين شخوصها وحكاياتهم، وقد تدلك الى قصص من ذكرياتها الخاصة، حين ترى فتاة جميلة تلبس ملابس العرس وتنظرصوب افق جديد بعينين حالمتين فيما يقف وراءها اشخاص مختلفون، نساء ورجل سوف يكونون ابطالا لاحداث تجري، خارج معرفتنا، وما يمكن ان تخبرنا به شهرزادناالراوية. هكذا هي لوحة الفكيكي، مليئة حتى الاغراق بالملموس من الاجساد والعناق والزخارف ولكنها لعوب محتالة، تخبئ عنك الكثير من الاسرار التي تلوح لك بخيط رفيع منها. هناك لحن عذب توعدك به اللوحة، عند بتول، ما ان يستقر داخل كيانك، حتى يتسرب مرة اخرى هاربا بغنج الانثى، الى مخبئه السحري الملون.تأخذك عبر الشذري المتناثر في ارجاء لوحتها، لنطل على مدن صامتة لايخترق تأملها الفجري، غير تزاحم قبابها الساكنة، مع زخارفها وابوابها المغلفة الحزينة تدب اغصان الاشجار بين ثناياها بحميمية، تشد المشهد الى اغنية متوارية ومرة اخرى تقف ثمة امرأة داخل النسيج المحير، لتقول كل ما عجزت عن البوح به، جدران تلك المدينة، وقبابها وابوابها المزخرفة، انها مدن بتول الفكيكي، المدن التي حاكت رموزها على نول هجرتها من العراق، المدن التي تبكي مغادرتها لتعيدها الى حضنها مرسومة بلون وفائها، وعشقها البغدادي المرفرف بوجد دامع، حول الازقة العريقة.لاتبخل الفنانة، بتول الفكيكي، على مشاهد لوحتها، وتقاسمه لوعتها وفرحها الطفولي، واسرار ايامها، تقدمه على قماشتها الملونة النابضة، بشعرية عذبة، صيغت بتلك الالوان التي تشبه تناقضات مزاج الفنانة، وقدرتها على التحولات في سماء السحر البغدادي العريق.
|