حيطان العزل .. فضاء الحرية .. فضاء التشكيل

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
12/11/2008 06:00 AM
GMT



 
 
المدينة هذه هي ايقونه التواريخ والأحداث ،
 بغداد وهي ترمي حكايتها على  ظاهر الناس .. وقلوبهم ،
طائر النار والرماد ، تهرب من  قدرها كل مرة ، تعيد صياغة المكان ومنحنياته وكتلته .
تتغير الوظائف بالتخمين والحدس الفطريين .. لكن الجوهر لايتغير .
 الناس دائما هم جوهر المدينة .. يقيمون علاقات احيازها وكتلها . يمنحون افضيتها معنى بالرمز والمباشرة .. يؤسسون عمارتها بالعاطفة والحنو ، وفق صلات وجسور .. ومعارف لاتفصلها حيطان ...تلباثيا بغدادية خاصة تختار الأثير طوال العصور  .
 ثمة قيم دائما  تنهض بعد كل خراب لأن المدينة هي قلب المعنى الكوني الذي تأسس مع كتلتها الأولى ..   بغداد طوال التواريخ تلك ،  طوال  دهور من الظلام ، والفناء المطلق لوجودها .. وحجارتها .. كانت موحية بالذي يأتي .. ترسم قزح تاريخها بألأسماء والنوايا .. في دفترالمستحيل والفوضى .

كتل الخراسة تؤسس حيطان العزل الطائفي والعنصري في بغداد كخيار قصدي لقوة الأحتلال  ، هي  لاتشبه حيطان العزل التي اقميمت في كل مكان من قبل بكل عدوانيتها وكتلها الصماء  وهي تقسم الشارع والحي .. ان تاريخ الجدران العازلة مرتبط بتواريخ الأستعمار والقهر ..
 هو يحاول ان يؤسس الأنقسام النفسي  و يفعل ذلك  اليوم مكرسا  صورة المحتل في بغداد  ، يحاول ان يغير رؤية البغاددة  المتحرره الى  الأفق ، وهم عشاق الحرية والتأمل .. يحجب رؤية الفجر .. ويقرر غروبا مبكرا . و عزلة معنوية ، ظاهرية لكن ليس ثمة قوة تستطيع ان تتحقق من انتصارها على حضور الناس في التكريس العاطفي والمعرفي .. رغم كل ظلام .
                                                     
والرسم الرافديني هو رسم متحرر بطاقته الداخلية ، يؤسس فضاءه وكتلته على نحو مغاير لما تتوقعه الفكرة مسبقا .. وهنا يضع الرسام طاقة التعبير امام كتلة صماء من الخرسانة العدوانية ،
يريد رسامو البلاد ، شبابا على مقاعد الدراسة ، او اسماء تحتفي بها صالات العرض ومقالات النقد ، ليجعلوا التشكيل الحر صانعا للتشكيل المعماري .. الذي يجعل جدارا اسمنتيا صمم ليكون سجنا قاتلا  ، فضاءا لخروج استثنائي .. وحرية تشبه الفنتازيا .. وهي تخترق الحجر ..
الرسوم التي جعلها الرسامون العراقيون بديلا لحجارة الجدران السمنتية العازلة  .. هي دراما تشكيلية تصوغ المعنى العميق لأسرار المدينة .. بطريقة ينسجم  فيها هذا الشكل اللوني المتحرر من كل اطر النقد والدراسة الى حرية التعبير .. ليبني انسجاما  مع المكوّن القائم الى الجوار .. البيوت الحبيسة .. الأشخاص وهم يختنقون خلف كتل الأسمنت الوحشية .. هذا القفر اللانهائي  يصير حياة ممكنة.. متخيلة .. مستعادة ..
 قصص مستلة من الف ليلة وليلة .. البساط الطائر .. او تخطيط لاتجاه لانهائي لمنفذ وسط الجدار .. لطريق مقترح نفسيا لكي تنتصر فكرة التشكيلي على اليأس الذي ترسمه كتلة الخرسانه البلهاء المقيته ... وعلى نحو درامي  فائق في سرديته وحضوره ..  اذ تقيم دينامية  المساحات الحرة احتما لات شتى للحلم .. والخلاص .. والأنعتاق.
هل كان الفنان التشكيلي العراقي يخطط لهذا المنهج ، وهو يحاول الأنتصار على قوة المحتل .. وعزلته القاسية  المفروضة وحيطانه الخرسانية ..  حين  اقترح بعدا ثالثا لمشروعه التشكيلي ، حين يتحول العمل البانورامي هنا وهناك الى مبتغى معماري اذا لم اقل الى امتلاك البعد الثالث .. كما العمارة والنحت بحيث صارت لوحات الرسامين العراقيين وهم يكسرون قسوة حيطان العزل الطائفي والعنصري  بنية حضرية قائمة تنتصر على النكوص والخسران والعزل الذي اراده المحتل في اقامة هذه الكتل  الهائلة .. لتدمير الحلم الممكن ..
 
                                            

 
ان المبتغى الفني للرسام العراقي وهو يختار موقفه في  ..  ا لدفاع عن مدينته  هو مبتغى روحي ودلالي وان كان في معناه الوطني لايقبل تأويلا ولايخفي معنى باطنيا .. لقد جعل التشكيلي العراقي جدارياته على حيطان العزل اجزءا من كينونة المواطن واثاثه حتى ان  العابر هنا وهو يمر كل يوم لايبصر فقط بل يستلهم .. ويمتلك ويتماهي  ويقيم  اذ انتصر اللون والفكرة على طاقة التدمير والعزل ..  واذا كانت الخاصية الرافدينية تقوم على جمع النقائض وتطوير ديناميتها المحتملة لتستجيب لأندفاع دائم .. في التجريب والبحث والتخريب احيانا ، فأن الرسام العراقي الذي اختار هذه الكتل الأسمنتية ليطلق كل نقائضه في توحد عجيب ليؤسس لوحدة رصينه في الموضوع .. واللون .. والفضاء .. هذا المزيج العجائبي  من الحركة اللائبة على سطوح الكتلة العدوانية .. وذلك السكون القائم  في رسوخ الكتلة واصرارها العنيد  هو نمط من اطلاق  قوة الدلالة وحركتها ورمزيتها  لكي تظل البيئة المحيطة متحركة متفجرة ..متفاعلة عكس مارادته حيطان العزل من تكريس  لسيكولوجيا الموت والفرقة والتقسيم .. ان طاقة اللوحات الأيمائية على كتلة الخرسانة العدوانية لجدران العزل الطائفي والعنصري في بغداد ، هي طاقة رمزية .. ومباشرة .. تطلق جدل الحركة والحياة .. 
                                                       
في هذه الحركة الدائبة على سطوح صماء نصغي الى صوت  متفجر  من فرط العلاقة القائمة بين الأنسان ومدينته ... وكأن الواسطي يستيقظ هنا ليصور تفاصيل حياة .. وافق لحياة نابضة . هنا وعلى كتل الخرسانة الصماء يترك الرسام العراقي هذه المرة بصمته الرمزية ..و موقفه المضاد للمحتل وجدارن العزل وارادة الفصل العدوانية ..
 هذه المرة يختار التشكيل العراقي  ان يفجر فرص الأمل مرة اخرى .. حين ينتصر على كتلة جدران العزل الصماء  التي اقامها المحتل .. ويطلق الحلم والحرية