محمد مهر الدين دلالة الأغتراب وفاعليته

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
03/01/2007 06:00 AM
GMT



يمكن تسمية الفنان العراقي محمد مهر الدين  بفنان الأنسان واغترابه ، حيث رصده لتحولات الأنسان المعرفية والوجودية ، ومعاييراستلاب كينونته وتحويله إلى هامش مجرد من قدرته الفاعلة في عالم يضج بسياسة التهميش والألغاء .   فنان يتربص بالوجود وسلطته على الكائن ، وضياعه خلف رعبه في عالم يفرض سطلة الأرقام وشراهتها في استلاب هدأته .
فنان لايمكن إيجاز تجربته بمرحلة زمنية ، كونه يشاكس اللوحة وبناءها الفني , ويعمل بمهارة وقدرة عالية على خصائص السطح  وتأثير المادة واللون في صياغة اللوحة ،  وبعدها التأثيري والدلالي ، وبمراحل أسلوبية متعددة ، ولكن وعبر جميع هذه المراحل المتمثلة لتجربته الفنية  ورغم ثراء وتنوع الاساليب في معالجة تقنية العمل لم يتخل عن البعد الانساني في اللوحة وطروحاته حول الأنسان وأغترابه .
ففي مرحلة الستينات و السبعينات طرح الفنان تساؤلاته بأستعارات تشخيصية رمزية ( مستخدما الكولاج والصور ) حيث الأنسان متمثلا في وجوده الظاهري ، وبمعايير تباعد بينه وبين محيطه ( العالم ) الذي يحاول أن يرسم هندسة فوق مساحة هذا الوجود من خلال خطوط وإيماءات وأرقام تلغي كيانه وتستدرجه إلى التلاشي مع فضاء ينهش قيمته ، مستلبا هويته وكيانه وبقسوة تنجز أغترابه .
 أما في الثمانينات فقد تحول محمد مهر الدين في عمله إلى مايمكن تسميته بالتعبيرية الرمزية مع الحفاظ على نفس الدلالة ورمزيتها في أعماله السابقة .
 بينما جاءت أعماله في التسعينات ( ولا أريد المبالغة في مفردة القطيعة مع أعماله السابقة ) ولكن وبمعنى أدق جاءت بتحول كبير في اللوحة ، إلى حد أختفاء أي ملمح تشخيصي داخل العمل ،  بل تحولت اللوحة إلى التجريدية .
 تجريدية يمكن من خلالها قراءة دلالة الأغتراب وفاعليته من خلال الخطوط والخربشات بالقلم أو اللون لخلق تكوينات وتراكيب هندسية وبمساحات تتداخل وحركة الخط وبمشهدية حداثوية متحركة وبمعالجة عفوية لفن يتيح للمخيلة مساحة للعب يحتاجها المبدع في شدّ المتلقي للصدمة الأولى التي تفرزها اللوحة المعمولة بحرية منفلتة واعية ،  وبتعامل ذكي مع توليفة الخامة لإحداث تأثيرات وأبعاد جمالية تعبيرية مبتكرة أقرب ماتكون إلى تقنية الحفر المتمثلة بزهدها ومرونتها في الأفصاح عن المكنون .
 ويمكن رصد هذا التحول في أعمال الفنان التشكيلي  محمد مهر الدين من خلال معرضه الاخير والذي عنونه ب( فخ العولمة )  حيث ضم 22 لوحة وعددا من الأعمال الورقية ،  أعلن من خلالها موقفه من العولمة :-
( سعيت الى تجسيد موقف الانسان ووعيه تجاه استلاب حريته ومصادرة هويته، والمعرض ادانة كاملة للقوى التي تتربص بالانسان اينما وجد، ففي ظل الاحداث الساخنة وخصوصا مايجري في الارض المحتلة، مايؤكد ان شراسة التقنيات بدأت تزحف نحو الوجود الانساني فتحيل الحياة الى جحيم مستعر، القول الفصل فيه للغة التدمير، معرضي صرخة استغاثة وتحذير، من قوى تضغط باتجاه فرض هيمنتها وسطوتها على الحياة الانساني ) .
يبقى الفنان محمد مهر الدين مسكونا بهاجس الاكتشاف والتنوع ، واستحضار فن له سماته الجمالية والفلسفية ، وبوعي دقيق لتجارب الفن العالمي المعاصر وبذائقة تعمق الموروث التشكيلي العربي ( العراقي بشكل خاص ) الزاخر بالتحولات الإبداعية والصيغ التجريبية ، ومحاولة الجمع بين هذا الموروث والمؤثرات التجريدية والتعبيرية المتفاعلة في اتجاهات الفن الغربي الحديث سعيا نحو تغيير الواقع والنهوض بثورة اجتماعية تحقق للإنسان آدميته المنخورة بالقهروالتخلف .
الفنان  من مواليد البصرة – العراق 1934 ، تخرج من معهد الفنون الجميلة- بغداد1959 ، درس الفن في بولونيا وحصل على دبلوم في الرسم من كلية الفنون الجميلة – وارشو، ويمكن رؤية تأثير ذلك عليه ، درّس الفن في معهد الفنون الجميلة – بغداد لسنوات طويلة ، أقام وشارك في العديد في العديد من المعارض العربية والدولية ، ويعتبر من الأسماء الفاعلة والمميزة في جيل الستينيات وفي التشكيل العربي و العراقي .