طارق ابراهيم : الحروفية ليست تزيينا لكتلة الخزف

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
16/02/2009 06:00 AM
GMT



 يقرأ في كسرة الخزف القديمة تاريخا .. مثل منقب في حفور الماضي  ،

و يشتغل بين الطين والنار وهو يبتكر لمهمته معنى جدليا ..

 هكذا هو طارق ابراهيم - 1938، الخزاف المشغول بالبحث والتجارب .. اذ لم يكن همّه الوحيد ان يغير مفهوم الوظيفة الملاصق للخزف والذي اشتغل لأجله طويلا  ، كما لم يكن همه ان يكرس صورة  الحرفي في هيئته الخلاّقة كفنان  ، بل انه يشتغل على تغيير رؤية المستعمل  ليضفي فن  الخزف على حياتنا  لمسة الجمال واسئلته  المثيره .
*
 منذ سنوات و طارق ابراهيم  يجرب  في مشغله البغدادي  كيمياء اللون ، وثنائية التراب والماء..

 تخرج كتلة الطين محاطة بأسمائها ، ومبتنياتها ،  رفقة  الوان جديدة مغامرة يرتديها الخزف بجرأة  كلما يدعونا طارق ابراهيم لنتأمل منجزا جديدا خلال معارضه النادرة . وهو وان غادر مجبرا ذلك المشغل النائي على اطراف المدينة تحت سطوة الظلام والسلاح الغادر ، الاّ ان  هاجس الخزف يرافقه في هجراته حيث يكون في مدن الشرق المكتظّة .. او في مدن العالم الجديد وهو يطلق اعماله الأخيرة .

مرة تشغله الأشكال الكاملة ، فيفتتها ، ومرة يصنع لها ابعادا جديدة ، ثم يعود ليشتغل على الدائرة في فكرتها الكونية والفلسفية لكل معنى محتمل. لكنه حين اجتزأ العمارة ووضعها على ملمح خزفه في معروضات سابقة  نقل الينا جوهر المكان .. تلك الملاذات المعلقة على جبل او ذلك المأوى الذي احتمل كل سر ، فعرض على خزفياته اسرار المبنى في عمارة مفتته يحكي الخزف اطواقا واقواسا .. ويعكس احيازا مفتوحة على كتلة محدودة .. لقد كان همه الخروج الدؤوب بكتلة الخزف الى مغامرات جديدة حيث تحمل الكتلة المزججة هذه ..  ذكرى وبصيرة.
*
حين اقتبس هيئة العمارة.. وموتيفاتها الملتبسة تلك ،  في معروضاته السابقة  فأنه أخذ الخزف الرقيق الى مهمة صعبة لا لتكريس كتلة العمارة انما لكشفها من الداخل وكأنه يحمّل الخزف دلالات الجوهر ، وحين استعمل الحروفية اول مرة ايضا في تجارب سابقة  فلأنه اراد ان يغير مفهوم التزيين على واجهة الخزف ، حين اقتبست مساحات اعماله الخزفية  الحرف بأعتباره واجهة رمزية على سطوح خشنه في تبكير لأستعمالات الحروفية في الفن ،  لكن هذه المرة يشركنا الخزاف في بحثه وتجاربه حين يتحرر الحرف من مهمته المتداخلة على السطوح ليتحول الحرف ذاته الى كتلة الخزف نفسها .. وليس مناسبا الحديث عن الجانب الحرفي هنا فتلك مهمة الفنان وهو يكسر الحدود المرسومة لمهنته   لكن مناسبا قراءة فكرة الخزاف هذه في نزوعها الجمالي الأخير .

 كان الحرف طرفا تكميليا  في العمل الفني ، يزين السطوح ويعكس جماليات موحيه من  قبل  .. لكن الآن كما في اعمال  طارق ابراهيم الجديدة  يظهر في كتلته الخزفية كعمل فني متكامل في وحدته وحضوره  لايلغي اجتزاءه  اووحدانيته  اي معنى ايحائي وديناميكي للحرف ذاته . كان الفنان قد اشتغل طويلا في الستينات في مشغل الخزف الصيني ابان دراسته الفنية  هناك عند اطراف السور ، وبقدر ماكانت  اهمية المشغل الدراسية تلك  في بلاد اخرجت الخزف الى افق كوني ، حسي وطبقي ، تجاري وجمالي ايضا لكن الفنان ظل يضيق بحدود الخزف المرسومة ككتل استعمالية لها وظائف محدودة .
*
في اعماله الأخيرة وهو يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية .. يطلق الحرف وحدته الديناميكية ، يلغي حدود النطق الى افق الأيحاء ، في اشكال  تكرس مغامرة الخزاف في كشوفها ومبتغاها ..
 الحرف هنا عمل فني موصل لكل رسالة معرفية وجمالية  حاملا كل طقوس الخزف الكيميائية . وطارق ابراهيم يعرّضنا الى موحيات تجاربه اللونية الغريبة  ،  لكنه لاينسى الأستعمالات النادرة للون بهيئته التقليدية من تدرجات التركواز حتى الأبيض الشفيف .. مع تذهيبات نادرة لاتعنى  الاّ بمعرفية اللون  ودلالته ، ذلك انه في تذهيبات مكثفة وقليلة يزاوج بين الوانه المشرقية خشية ان  تخرج  تجاربه اللونية مفهوما غير الذي يتوافق مع  اشتغاله الدائب على تحديث عدة الخزف وهويته ..

اعمال طارق ابراهيم الأخيرة رنين لكتله نادرة .. من الخزف الباهر.