(اول مشاركة للفنان في معارض جماعية سنة 1973) مغايرا لما الفناه من اعمال انتجها منذر طوال اكثر من 30 عاما، اذ ان معظم ما قدمه خلال تلك السنين اعمال نحتية على الخشب.
عرض منذر علي في معرضه الاخير مجموعة من اللوحات التي اعتمد فيها فن الكولاج، وهو فن تلصيق الاوراق المتناثرة ووضعها في تكوينات جديدة تحددها رؤية الفنان، وقد استخدم في اوساط الفن العراقي مؤخرا بشكل مفرط رغم استخدامه منذ خمسينيات القرن الماضي.
لكن منذر علي تناول الكولاج بطريقة مغايرة لما انتجه الفنانون الآخرون، فمن النظرة الاولى للوحات تكتشف انك امام حالة من الانفعال الوجداني الصاخب عبّر عنه الفنان بتراكم الصور ووضعها بصيغتها التي تزاحمت امام ادراكه الحسي.
هذا الانفعال الناتج عن تعرض وعي الفنان الى هزة عاتية اجتاحت جميع مرتكزاته وطرق تعبيره المعتادة.
منذر علي الذي عرف مدينته بغداد، والف حركة الناس فيها ومشاعرهم وعبر عنها عن طريق نحته لشخوص بسطاء يبدو عليهم سيماء الوداعة والالفة، واقفين بسكون مثل اسلافها السومرية، تعلوهم ترابية القناعة هذه البيئة التي صنع بعضها الفنان، حين تعرضت الى ما تعرضت اليه، اهتزت كذلك قيم منذر الفنية وتعرض الى ما تعرضت له مدينته، حديقة خياله الودي.
في الازمات التي تصادف الوجود الانساني تقابلها عادة ازمات في الوعي، وحين تستقر حركة وجودنا الروحي، يستقر احساسنا بعالمنا من حولنا وكذلك نظرتنا الى الحياة.
وحين اختل العالم امام انظار منذر، الذي الف استقراره وتماهى مع سكونه بل مجّد سكون الحياة فيه عبر مئات الشخوص المنحوتة التي قدمها كشهود على عالمه الخاص.
اطلق منذر العنان لانفعاله استجابة للاضطراب الكلي حوله ولأن الانفعال هو شكل من اشكال الادراك الذي لم يرتق الى مستوى الفكر التجريدي.
لم يصل الفنان الى حالة اختمار الفكرة وانتاجها لرمزها الذي يدور حوله العمل الفني.
فلقد استعار حالة الفوضى المرئية، وحوّل مشهد تناثر المدينة وحالة التبعثر والفوضى على الجدران وامتلاء الارصفة باسقاط المطبوع الآني، الى طريقة في التعبير عن الحدث، اذ يقع هذا الانتاج الفني بين التفكير التجريدي، وبين الادراك، فقد خرج الينا في تشكلات بصرية تفترض حياة مغايرة مثل تلك التي تطرحها الميثولوجيا، حيث اختلاط الاحساس باللاوعي لم تمهل الاحداث المتسارعة فوضوية الايقاع، استقرارية منذر الممتدة الى ماض سحيق وتكسر امامه صفاء الرؤية.
وفي الازمات يصبح طابع الصلة بالفعل هو التناقض وتعجز الرؤية التقليدية ويتفشى الشعور بالاضطراب وعدم الاستقرار، لذلك لم تتسع اللحظات الحاسمة التي تتم فيها الاستجابة لانتاج الرمز لتغترف من مساحات التأمل المقدسة حيث اذ ادراك ما لا يدركه الانسان بالحواس.
انتقلت عملية تمزيق المعرفة البصرية المألوفة مباشرة الى حيز العمل الفني، وقدم منذر علي مضطرا نتاج انجازات الفوضى البصرية كشاهد على الاهتزاز المريع الذي مرت به روحه المضطربة التي غالبا ما استرخت في حضن العالم الذي ساهمت في صنعه.
استدرج منذر علي في خضم تفاعلاته مع الورق وانشغاله في اعادة تركيب الصيغ البصرية خاصتها وتمزيق المشهد السائد استدرج الى لعبة جميلة اعادته الى مواقعه التي انطلق منـها كفنان سبعيني ولقد تميزت بعض اعمـاله الورقية الاخيرة بما كان يطبع تلك المرحـلة المهمة مـن تاريخ الفن العراقي الحديث.