عامر العبيدي : الهجرة .. تأويل لفكرة البقاء

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
05/04/2009 06:00 AM
GMT



 الرسم  مثل ابتكار اسطورة الحياة ..

افضيته مفتوحة ، وهو يقيم  لحظة التدوين كلما قرر ان يرسم .

اللوحة تاريخ .. والفن يكتب سيرة ، تلك ملاحظة عامر العبيدي  الرافدينية وهو يقرأ المجسمات الأولى هناك عند خزف بابل  ..

يجاور لوحته بأنفعال متواصل هو خليط من توترات الرؤية واختزالات الفرشاة الدؤوبة
وهو منكب على عناصر عمله طوال الوقت ، يفي لجيله بالعموم ..ويقيم طقسه الفردي بالتكثيف والأختزال عبر معارض ومشاركات رغم الكثير من التعويقات المقصودة ..
 انه مصر على هويته العراقية المجدده.
                                                        *
مع قراءة اعمال عامر العبيدي يكون الرجل ابن ذكرياته .. والذاكرة تضيء لحظتها ، وانا استعيد الصفات والحوارات والفكار ..  والصورة الشخصية التي  بقيت اعرفها فيه حتى اليوم هي صورة  الرسام الحريص والمجدد ،  منذ اواخر الستينات ، وهي صورة ارتبطت بذاكرتي كتلخيص للمجددين وتنوعهم .. لقائهم وافتراقهم ،  تشتتهم او حضورهم ..


ومع ان  العبيدي ظل وفيا للحركة التشكيلية العراقية عقودا  .. مضحيا من اجلها بالكثير حين انصرف لخدمة تلك الحركة وقتا طويلا وهو يدير الفنون التشكيليه ومركزها الكبير وسط بغداد  الاّ انه لم يسلم من تضحيات فنية كثيرة اخرى  كواحد من جيل فني مجدد مايزال يشغل الساحة التشكيلية العراقية. خفاياه  تبوح في لوحات  الأغتراب حيث  يقوم الرسم بردم فجوات  متعاقبة ، هي وعي الماضي ، وتكريس نظام الزمن . اللوحة عنده  اسئلة للقطيعة التي تقوم هي دحض للمباشر وتكريس للأبهام خارج قشرة الوعي وكأنه  يبعث علامات ورموزا لرسائل مغايرة ضد البوح . من المباشر الى الخفي .. ومن المندرس الى الحي المستنطق . الخفايا تبوح  ذلك ان الماضي سياق متحرك نحو الحاضر .. ابن الغد وليس وليده ، الا  يخلق الماضي تشويشا في وعينا فلماذا يكون ثابتا انه فعل متحرك يعني الحاضر  وهكذا تحكي لوحات عامر العبيدي في معرضه الجديد في الولايات المتحده الأمريكية 4/4/2009  لتقيم تأويلا للحاضر في اغتراب الفنان ورحيله  بأعتبار المسافات نوعا من البقاء الحي المتواصل للأمس وهو يكرس مدارك المكان : البلاد او نفيها  .
                                                                 *
كانت معالجات عامر العبيدي للحصان طوال عقد السبعينات والثمانينات نمطا من سلالة اسلوب ورمزية لمعنى مستحضر ، كانت خيوله سطوة ماضي غامض .. لكنه يخرج من تلك السطوة الى  ضياء التعبير . ان  فكرته عن الغياب دائما تقوم على استحضار وتواصل ، فن للبقاء في احلك ظروف التحديد وغياب الحرية .. وهو الذي اختار ان يظل داخل حركة التشكيل العراقي  قابال بالتضحية لكنه وجد مخرجاته الخاصه  حين  عكف على تحولاته الجديدة  . حين عالج موضوعة الكرسي في اعمال متواصلة في سلالتها – اقام معرضا خاصا خلال التسعينات -  ، كان يصيح بالوظيفة التي غيرت وجه البلاد .. وكان يهزأ بالمناصب كلها في  نبوءة خطرة لم يعرف غير ان يعلنها في حياة خطرة  ايضا . كان يؤثث واجهة اعماله بحكمة  الوانه  وهي ايماءات  وعلامات تحاور فضاءنا الأنساني القاسي . كان الرسام الذي يعرف لوعة الحرية في مسارت  العتمة .. اعماله مأهولة  بالعلامات والتضادات التي ترسم جدلا حقيقيا هو جدل البقاء او الموت .
                                                         *
في غربته المفروضة تحت سلطة الموت والأحتلال يحمل عامر وشم معرفته متحولا الى البوح ومحاورة ابعاد الوجود المعذّب .
 جراح المهاجر معرضه الجديد   استمرار لسلالة الأسلوب مع مميزات جديدة ، اشكاله تبوح .. وتزويقاته احتفال حزين بالمسافة التي اخذته اليها . عامر العبيدي 1942- البابلي العراقي المغترب ، الذي يقيم معرضه هناك لكي ينفي هذا الوجود بأعتبار اغترابه بقاءا لتلك السمات الحية لحضوره .. في بلاد الغياب .. هناك حيث  يتجاور الغياب والحضور دائما .
                                                               *
وهو يضيء وسط عتمة الكشف ، يعمق عامر العبيدي اسئلة جيله الفنية والفلسفية .
اعماله الجديدة تعميق لهويته .. وتكريس لفن بلاده التي يحملها حيث يكون .
انه يؤكد الغربة باعتبارها معنى للبقاء .. هناك !