المقاله تحت باب مقالات فنيه في
28/05/2009 06:00 AM GMT
الفنان (حسن عبد علوان) يصوغ لنفسه لغة اسطورية جديدةميثولوجية موحية تحيل الماضي الى حلم محسن الذهبييؤخذ على اغلب الفنانين عدم تعمقهم في الاطلاع او فهم التراث الفني الشرقي بشكل واعي ، وان اغترفوا منه فانهم يستقون بشكل مباشر لا يضيف الى التراث شيء ، ولا الى فنهم عمقا يبحثون عنه .
لكن الفنان التشكيلي العراقي (حسن عبد علوان) وجد الطريق في التواصل مع هذا التراث بشكل متفرد ، شأنه شان عدد من التشكيليين العراقيين الرواد ممن حاولوا ربط الحاضر بالماضي في محاولة لتأصيل وترسيخ الارتباط بالجذور للخروج بصيغة شرقية معاصرة.
ففي بداية السبعينات من القرن الماضي وباسلوب حداثوي يتميــــــز بالبساطه والوضوح عرض (حسن عبد علوان) اول اعماله حيث الغوص في جماليات العمل واجوائه الخيالية فهويحاول ان يكشف الحالة الإنسانية والانفعالية العبقة بالتاريخ العراقي والشرقي من الجانب الإنساني والديني والوجدي عبرمعالجة المعمار المكاني و الجسد البشري (الانثوي والذكوري) برؤية بها لون من الرومانسية، وفي ذات الوقت بها نوع من التعبيريةاذ تتكرر بنيات الدلاله لديه مع تكرر الثيم الاساسية التي تشكل محور انتاجه الفني والتي تتمحور باعادة صياغة المضامين التراثية الشعبية للبيئة البغدادية مستفيدا من التراث الفني للمدرسة البغداديةالتي تمثلها رسوم يحيى الواسطي واجواء الف ليلة وليلة.فهو اذ يهتم بالحكائية قدر اهتمامه بالنقاء الفني لعملة من اجل اعادة الفن للجمهور وقربه من عقول العامه بالاضافة الى اهتمام المختصين مما ساعده على الانتشار الواسع والسريع حتى غدا احد الرموز الفنية العراقية وعرف عربيا وعالميا وعرضت اعماله في اغلب عواصم العالم من باريس الى موسكو مرورا بتركيا واليونان واسبانيا والسويد وبولونيا ومن تونس الى البحرين فالقاهرة وغيرها الكثير عبر معارض مشتركة وشخصي.
ان الماضي يشكل لديه هاجس يمتد الى جسد الحاضر، فجذور الفنان مغروسة بطين ذلك الما ضي وباجمل ما فيه ، فهوالمولود عام 1945 في مدينة الناصرية بين احضان الماء والموروث الاسطوري للجنوب السومري ثم ينتقل الى مدينة بغداد واجواءها وحارتها الشعبية ويكمل دراسته هناك متخرجا من معهد الفنون الجميلة عام 1965مما يجعله يحاول الولوج داخل المعنى المتعمق للزمن باعتبارة تراكم ممتع، اذ يبدو الحاضر وهما وانعكاسا لحقيقة الماضي فيحول الحدث الاسطوري الى ذاكرة جمالية تجسد فكرته الفلسفية عن الجمال وايجاد فضاءات اكثر اتساعا عبر تحفيز اللامرئي من خلال ما هو مرئي في ثيم اللوحة ، بالانزياح عن الاسطورة الاولى للوصول الى اللاوعي الجمعي الحكائي للمشاهد ، فهو لا ينتقي منها نموذج متكرر بل يصوغ لنفسه لغة اسطورية جديدة تميز اسلوبه الفني يوظف فية الواقع ويعدله كي يصل الى المشاهد بعمق المباشرة وبرؤية مستحدثة لاشكال مدهشة ولغة تعبيرية تجسد تدفق الخيال.فهو راصد جيد للحياة الاجتماعية والاجواء الفولكلورية ورسم معالمها اذ يرتقي بعوالمه الخاصه للكشف عن مناخات رمزية للمضمون المحلي مبتعدا به عن السائد والمالوف .
انه يتحكم بالاجواء تعديلا وتوظيف كي يؤائم بين الاسطورة والواقع فيبتدع شخوصا من الموروث ليقدمها بطريقة موثرة وهذا من اسرار نجاحه ، حيث هامش التجديد والتفرد مع انه يكرر تلك الثيم من الشخوص والاماكن في جميع اعماله وبالاسلوب ذاته، لكنه وكما يقول المثل (اذا كان النول واحدا فان النسيج متنوع تنوعا غنيا جدا).ان الحكائية في اعمال (حسن عبد علوان) تعبير في الشكل والمحتوى وهي جوهر العمل على المستوى المضمر الدلالي وعلى التعبير البياني للمضمون ، مع انه يشتغل على الغموض المقصود بوصفه مستوى اخر في قراءة اللوحه وتحويلها من ماضوية متجاوزة الى حالة مستحدثة ومعنى معاصر.
فمن الممكن ان نصف تجربته بصفتها تسجيلية سردية ذات بعد بصري ومفهوم فلسفي لافت اذ تنبض الحياة بشخوصها واماكنها الشعبية وبجمالية الحركة الايقاعية الحية المنبثقة من رؤية حلمية تتدفق تلقائية وعفوية وشفافية في اللون تشع بهجه وروح مرحه انعكاسا من مرح الروح البغدادي.ان توزيع المساحات اللونية والفراغات الضوئية والخلفيات الواسعة تشكل احد العناصر التي تكون بناء اللوحة وتخدم تميز الشكل الفني، فالون البني المعتق المتكحل بشفافية اللون الاصفر يتداخل مع عناصر القدم في الموضوع ليعطينا تكوين متالف مع زرقة السماء. ان تداخل لوانه وكأنها تذوب مع بعضها البعض مستخدما تقنية تخفيف الالوان الزيتية وتبقعها بشفافية تقترب من الالوان المائية، ومع ان اغلبها الوان بارده لكن لها ميزة ساحرة تلائم اسطورية الاجواء وهندسية الاسلوب المكاني ووهمية الفضاءمع تجاوز مقصود لقواعد المنظور.ان عوالم الفنان (حسن عبد علوان) ترتبط باذهان الناس بمعاني وافكارميثولوجية موحية، فالمرأة والتي تتكرر في كل اعماله تتمتع برشاقة شرقية انها تشبة الغيوم السابحة بانثوية طاغية، اشبة ماتكون بالنموذج المقدس اوالالهة التي لا نجدها الا بين السحاب.
فيما يتكرر الرجل والحصان كرمز للقوة كما السيف والديك، اما السمكة فرمز للخصب والقباب والشناشيل البغدادية ومشاحيف الاهوار للارتقاءوالتواصل والعود للطرب وكثير من المفردات الاخرى الموحية بطابع جذري بعيد عن النظرة الحيادية ، فهي تحمل اشارات ثنائية بين اليومي \التراثي والارضي\ السماوي فتحوله الى فضاء ممتلي بالغموض كثيف بالمعاني مقبول بالمعقولية عبر تعبيرية انطباعية مدهشة.
|