فـي معرض «طفولة في الزمن الصعب» : كريم كلش.. أحلام تجرها عربات الحمل الثقيل

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
14/06/2009 06:00 AM
GMT



اذا كانت اصعب الكتابات هي الكتابة للطفل فكيف اذا كان المشروع الذي تكتب عنه يخص عالم الاطفال فوتوغرافيا.. بمعنى اخر  ان الكثير من الفنانين الفوتوغرافيين قد يفشل في خوض غمار تجربة تصوير  الطفولة في واقع شائك كالواقع العراقي..  ومن هنا كانت صعوبة الفنان الفوتوغرافي كريم كلش الذي إنغمر ولاكثر  من عامين في البحث عن لقطات يحكي من خلالها مراحل شريحة مهمة ومهملة في أن احد.. مهمة لأنها تشكل الجذر الاكثر  تماساً في صميم المجتمع  العراقي، ومهملة باعتبار ان شمس التغيير لعهد العراق الجديد لم تشرق على وجوه هؤلاء
الاطفال لتضيء ابتساماتهم وتجلي عنهم حزن الزمن ومصاعب الحياة..

الفنان كريم كلش وعبر تلك اللقطات التي تنهمر من على سطحها وملامح الوجوه فيها دموع الأسى والحزن الثقيل ونجح في أن يقدم عالماً مقهوراً وسط القمامة و النفايات ... وازاح الستار عن تراجيديا بؤس الطفل العراقي بعد ست سنوات لم يجد خلالها ما يجعله يعيش كاقرانه في بلاد العالم...
روح الفنان كريم كلش الطفولية هي التي  منحته القدرة على ايصال فكرة (طفولة في الزمن الصعب) واية طفولة تلك حين باعنا اسما  لها بدلاً من الاناقة التي يفترض أن تخرج بها علينا ... وأنامل ملطخة برماد المحنة... لكنه مع ذلك لم يغب عن باله  تقديم طفل يضحك وهو يعتلي تل (قمامة) من النفايات ويحمل بكفه الصغيرة الطرية (قنينة ) بلاستيكية فارغة من المشروبات الغازية ... وهذا هو الاسلوب الذكي في  لقطات كلش حين حاول ان يقول في معرضه الاخير الذي اقيم مؤخراً على قاعة المصور العراقي.. أن لابد للاطفال من ان يمرحوا ويضحكوا .. ولكن ليس على تل (النفايات) بل يجب أن يصبح مرحهم وفرحتهم على (تل) من الورد .. لقطات الفنان الفوتغرافي كريم كلش كانت تحمل هماً ووجعاً وموقع عليها بوجوه تحولت سحناتها من الطراوة الى القساوة... وظهر الاطفال وكأنهم (مومياءات) تمشي على أرض الفراتين... فقد استطاع هذا الفنان بلوحاته الـ (60) التي ضمها المعرض الشخصي ان يستصرخ ليس فقط المسؤولين ( كما قال في اكثر  من حديث للصحف) ... بل حاول أن يوقظ ضمير الكون.. لأن كل شيء يهون الا ان يصبح الاطفال سلعة رخيصة في سوق (المزايدات) العلنية وفي  عهد يطمح فيه الكل للارتقاء بقيمة الانسان العراقي.
أعتبر من جانبي معرض الفنان المبدع  كريم كلش رواية من النوع المأساوي كتب سطورها بتلك اللوحات باحثاً من خلالها عن أدق  التفاصيل  الحياتية للطفولة العراقية واتسمت بطابع الاقتناص  الذكي، ولم تخضع لوحاته لاية رتوش قد يفعلها البعض من الفوتوغرافيين فترك الاطفال على سجيتهم وسرق عالمهم ليحقق بذلك وظيفة الفنان الملتزم بمعايير اخلاقية تجاه شعبه، خاصة الاطفال منهم...
ولقد عشت على مدى عامين هواجس كريم كلش وقلقه الدائم وكذلك المخاطر التي تعرض لها من اجل لقطة تفصح او تترجم لغته الفوتوغرافية.. هذه اللغة المقصودة اصلاً مع سبق الاصرار  من قبل الفنان المذكور لكي يطلع العالم على القاع السفلي للاطفال بكل ما يحمله هذا القاع من براثن الفجيعة ... والوجع المستديم الذي أحال وجنات وجوه الاطفال  الوردية الى مجرد لوحات متشحة بسواد الايام ولعنة الظروف وغياب الاهتمام وضياع فرص البهجة...
لقد اقتحم الدروب الخلفية، وليس هذا وحده، بل كان الشارع أيضاً مسرحاً  لكوميديا ضياع الاطفال الذين بدلاً من بحثهم عن أحلامهم البيضاء في  فضاء  ما يتوفر لهم من العناية ... وجدوا انفسهم كما صورهم كريم كلش بإمكانيته الفوتوغرافية العالية يلتمسون الوصول لتلك الاحلام بجر العربات .. وحمل اكياس القناني البلاستيكية على اكتافهم، لكي يعودوا بحفنة من الدنانير لذويهم، وهكذا انحصرت أحلامهم بين ذلكما (الهلالين) المذلين...
(( رواية)) كريم كلش التي كتبها بعدسته الفوتوغرافية واطلق عليها عنوان ( طفولة في الزمن الصعب)) هي تصوير حقيقي لايمكن دحضه من قبل الحكومة اولاً ممثلة بوزارة حقوق الانسان ولا من قبل منظمات  المجتمع المدني... لأن وثيقة .. أو معرض (طفولة في الزمن الصعب) يظلان بهذين العنوانين خاضعين لاحتمالات كثيرة من بينها أننا بلد لا يحب ملائكته الطاهرين (الاطفال) والاحتمال الاخر أننا شطبنا على القول المأثور ((أطفالنا اكبادنا تمشي على الارض)) والاحتمال الثالث ان الطفل عندنا اصبح اشبه بالبعوضة، على غفلة من الزمن نقضي عليها بالضربة القاضية..
هكذا اراد الفنان كريم كلش ان يقول في معرضه الاخير الذي منحه كل وقته وجهده بل انه سخر طفولته القديمة بعذاباتها ليوقظها اليوم على ايقاع جديد اكثر ايلاماً ووجعاً ...
اعتمد الفنان المذكور على كاميرتين متنوعتين من حيث  التقنية وقد استطاع التحكم بالالتين معتمداً مرة على اقتناص اللحظة الهاربة وفي  الثانية عن قصد مؤشراً في الحالتين عمق الرؤية الفنية واختيار الزاوية المناسبة وملء الكار  بالموضوع المتكامل.. وعليه فقد جاءت (لقطاته) معبرة كل التعبير عن صدق التعامل مع الواقع ولكن بطريقة استثنائية جذرت المفهوم الخاص الذي يحمله الفوتوغرافي المبدع كريم كلش...
ان معرض (طفولة في الزمن الصعب) هو صرخة استنكار ضد واقع لا نحب ان تستمر فيه عذابات هذه البراعم الفتية .. فمن البساطة على الفنان كريم كلش أن يذهب الى احد رياض الاطفال ويصور اولئك الاطفال... ولكن هل هذا هو واقع الاطفال في عهد العراق الجديد... لا بالتأكيد .. فما بين اللقطتين (الخاصة في الروضة) و العامة وسط النفايات... والحمالين الصغار ... وباعة الارصفة ... والمتسولين الاطفال ثمة تقاطعات كبيرة وحادة بين ما ندعو اليه من تطوير حال هذه الشريحة وبين ما هم عليه..