محاور في المقام العراقي-المحور الاول الجزء الخامس

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
11/09/2009 06:00 AM
GMT



فكرة مختصرة عن الغناسيقى

العراقية في القرن العشرين

مساهمة المرأة في تلك الحقبة

------------------

من الجلي ، ان فناني الطليعة في قطرنا العزيز ، مطالع القرن العشرين ، قد ساهموا مساهمة فعـَّالة في إعادة الزهو والشعور المريح الى الحركة الفنية الموسيقية خاصة ، ولابد من ذكر حقيقة طيبة ، هي أن هذا البعث الجديد لنهضة الثقافة الموسيقية عندنا ، قد ساهمت به نساء فنانات رائدات بشكل مؤثر ، برهنَّ على أنهنَّ قويـَّات في المجتمع .

ولعل من الغريب والمثير جداً بنفس الوقت ، إن النتاجات الاولى في الغناء والموسيقى للفنانين الملحنين في قطرنا ، كانت قد أديت منذ البداية من قبل نساء مطربات في الاعم الاغلب ..! فكانت الطليعة من هؤلاء الفنانات المغنيات مثلاً .. بدرية أنور ومنيرة الهوزوز وسلطانة يوسف وصدِّيقة الملاية وبهية العراقية وماري الجميلة وأمينة العراقية وعليـَّة فوزي وطيرة حكيم وزنوبا وعزيزة العراقية وروتي …و…الخ وستبقى تلك الاغاني خالدة على مرِّ الزمن لإمتلاكها كثيراً من مقوِّمات النجاح ، خاصة في عنصرها الجمالي الذي كان يعبر عن روح البيئة المحلية والتي كانت ملائمة لذوق المتلقي زمنذاك … وقد كان الملحنون الاوائل قد بذروا البذرة الاولى التي أثمرت عنها هذه المرحلة الثقافية التي تمخـَّضت عنها حركة جديدة بالاستقاء من التراث والاستفادة منه فائدة مباشرة ، سواء في المقامات العراقية أو في الالوان الغنائية الاخرى ، الغناء الريفي والغناء البدوي وغيرهمـا . حيث تكشـَّف لنا ذلك خلال الاطلاع والاستماع الى تلك الابداعات التي ظهرت في هذه الحقبة … وهذه الحقائق تبرهن لنا أن نجاح هذه الطليعة من النساء المطربات قد خلفت نساء مطربات اخريات كجيل ثان وثالث …الخ فكانت سليمة مراد وعفيفة اسكندر وصبيحة ابراهيم ولميعة توفيق وزهور حسين ومائدة نزهت وهيفاء حسين واحلام وهبي و…و.. الخ ورغم أن هذا الخط المستمر من ظهور النساء المطربات كان يبهت تارة ويظهر تارة اخرى ، وذلك بسبب القيود الاجتماعية ونظرة المجتمع الى الفنانين ، مما جعل المرأة خاصة تحتاج الى كثير من الجرأة لتقدم نفسها فنانة للشعب ، لذا فقد كانت المرأة عموماً أقل إحتمالا للنجاح وأكثر تعرضاً للخيبة واليأس .. ومن الحق أن أولئك النساء المطربات الاوائل اللاتي ظهرن في العقود الاولى من القرن العشرين قد أسهمن الى حد كبير في ظهور الاغاني الجديدة الملحنة والمكتوبة كلماتها حديثاً ، وجعل هذه البداية الجديدة النواة الاولى للحركة العقلية في الموسيقى والاستمرار بها ومجيء الاجيال الاخرى التي نهجت نفس الخط التطوري وأصبح للجيل الاول منهنَّ خليفات وأتباع .. وكانت هذه البداية هي المحرك الفعلي الاول للجمود الثقافي في مسيرة الفن الغنائي والموسيقي الذي إستمر على مدى الاجيال التالية لجيل الفنانات الرائدات ، اللائي أصبحن أخف عبئاً وأكثر ثقة من سالفاتهن ، وأصبحت معالجة بعض القيود الاجتماعية الصارمة قبلاً ، أمراً أكثر مرونة ، حيث بدأ عدد النساء المطربات يزداد بمرور الزمن .

دور الصحافة الفنية *

------------

 كانت الصحافة الفنية في العراق ، مطلع القرن العشرين لها مساهمات جادة في النهضة الفنية الحديثة وتنشيط حركة احياء التراث الفني العراقي ، وكان لها دور فعـَّال في ذلك .. وعليك عزيزي القاريء أن تتصور الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان يمرُّ بها بلدنا العزيز ، خاصة ونحن ننتهي من إستعمار قديم ليسيطر علينا إستعمار جديد ، فقد كانت الدولة العثمانية أواخر القـرن الماضي قد هرمت وأفل سلطانها ، وعاصر ذلك بداية الزحف الاوربي المباشر لاحتلال البلدان النامية فكان أن أُشعلت حرباً عالمية مرعبة أطلق عليها الحرب العالمية الاولى ..!! 1914 – 1918 التي كانت إحدى نتائجها أن سيطر على بلدنا الاستعمار البريطاني ، وبعد مضي أكثر من عقدين من السنين بقليل كانت الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 .. وغير ذلك من الاحداث التي نتجت من جرَّاء هذه الحروب العالمية ، وهكذا وضعٌ بطبيعة الحال لا يشجع على نمو وسط ثقافي سريع يوازي سرعة النمو الذي قد يحدث في بلدان اخرى تتمتع بظروف أفضل ، ورغم كل هذه الظروف فقد كان يوم 18 / 2 / 1934 موعداً بشيراً لصدور أول مجلة عراقية فنية متخصصة بالفنون عامة والموسيقى خاصة في بلدنا العزيز .. وقد قدِّر للشاعر الغنائي عبد الكريم العلاف أن يكون له قصب السبق في ذلك حيث أصدر العدد الاول في ذلك التاريخ من المجلة التـي أسماها ( الفنون ) وكان العلاف معروفاً بمؤلفاته العديدة التي تخص الادب الغنائي والتاريخ الموسيقي لحضارتنا العربية وقلـّما نجد مطرباً أو مطربة عراقية لم تغن من كلماته . فقد كتب تحت إسم المجلة ( الترويسة )(28)- مجلة فنية موسيقية فكاهية اسبوعية - ويذكر أن العلاف كان قد أصدر 26 عدداً فقط من هذه المجلة إذ توقفت بعد ذلك . وسوف نرى تكرار مثل هذه الحالة خلال هذا الاستعراض التاريخي لصحافتنا الفنية في العراق الغالي ، وإن الكثير من الصحف والمجلات التي ما أن تؤسس وتصدر حتى نراها تتوقف عن الصدور بعد فترة من الزمن غالباً ما تكون قصيرة . وذلك كله يعود لظروف التخلف والتأخر التي كرسها وشجع عليها الاستعمار شأنه في كل البلدان التي يستعمرها …

 ومن جانب آخر ، إن أول فنان عراقي أصدر أول مجلة تعنى بالفن الموسيقي هو الموسيقار العظيم الملا عثمان الموصلي(29)الذي أصدر العدد الاول من مجلة المعارف في القاهرة العاصمة المصرية - وذلك في 19 / 5 / 1897 – ويمكننا أن نلاحظ قـِدَم هذا التاريخ البعيد نسبياً ، فهو إنجاز فني وأدبي وثقافي كبير ، بل كبير جداً على صعيد الفن والصحافة .. ومن ناحية أخرى ، نأسف شديد الاسف ، ذلك أن المطبوعات والكشوفات العراقية لم تذكر هذا الانجاز وهو بلا شك ناحية سلبية تسجل على باحثينا في الوقت الذي توجد مراجع وكشوفات عربية كثيرة كانت قد ذكرت هذه المعلومة ، ما خلا باحث عراقي واحد ذكر تاريخ إصدار الملا عثمان الموصلي لمجلة المعارف في القاهرة ، هو الدكتور عادل البكري الذي ألف أكثر من كتاب عن حياة وإنجازات الملا عثمان الموصلي … ومن المراجع العربية التي تطرقت لهذا الموضوع ما ذكره الكونت فيليب يطغازي في كتابه الموسوم ( تاريخ الصحافة العربية ) وهو مرجع جيد لصحافتنا العربية وكان ذلك ضمن الجداول التي تضمنها الجزء الثالث من كتابه . ومرجع آخر ما نشره الاديب اللبناني ابراهيم اليازجي في مجلته البيان حيث جاء في النص ( ورد علينا العدد الاول من مجلة المعارف لصاحبها ومحررها الفاضل ملا عثمان أفندي الموصلي وهي علمية سياسية تاريخية أدبية أخبارية فنية وفيما نعهده من حضرة محررها المشار اليه من غزارة الادب والبراعة في صناعة الانشاء ما يضمن لها التقدم بين الصحف العربية ) .. ونجد أيضا مرجعاً عربياً آخر في الجزء الرابع من كتاب ( الاعلام ) لخير الدين الزركلي .. مع مراجع اخرى كثيرة …

هذه هي البداية الحقيقية للصحافة الفنية ومساهمتها الفعـَّالة في إنماء وتطوير مسيرة الحركة الفنية الموسيقية في بلدنا العزيز .. بدأت على أكتاف أشخاص من صلب الفن الموسيقي ، وبعد أن توقفت مجلة الفنون لعبد الكريم العلاف صدرت مجلة اخرى في العقد الثلاثيني نفسه وبنفس الاسم ولكن لا علاقة لها بالاولى ، فقد أصدرها الصحفي الهاوي للفن والتمثيل محمود شوكت الذي كان يشارك مع بعض الفرق الفنية في أماكن عديدة لتقديم بعض النتاجات التمثيلية والمسرحية التي كانت أشهرها مسرحية يوليوس قيصر .. وكان هذا الفنان الهاوي قد إهتم كثيراً بمجلته ، حتى بعد توقفها ، إذ نراه قد أصدر مجلة أخرى ترعى الفن أسماها ( الزهراء ) وذلك عام 1941 التي إستمرت في الصدور حتى الخمسينيات ليصدر بعدها جريدة سياسية تعنى بمجالات كثيرة ليس فيها الفن أسماها الثبات ناصر فيها الاتجاهات اليسارية ..

وعودة أخرى الى العقد الثلاثيني فقد صدرت مجلة اسمها ( العدالة ) ذلك عام 1930 ورغم أن إسمها لا يوحي بأي مضمون فني ، بيد أن معظم صفحاتها كانت فنية ، حتى أن صور الغلاف كانت لفنانة عراقية أو عربية وكان مؤسسها الصحفي كمال عبد الستار .

ما أن بدأ الاهتمام يزداد بالفن وبأخباره ، حتى إزداد معه صدور مجلات جديدة ومطبوعات أو جرائد تتحدث عن الفن والفنانين ، ففي عام 1942 أصدر القاص الاديب والمحامي عبد الرحمن نايف مجلة أسماها ( البيادر ) تتضمن المواضيع الفنية والثقافية الجادة .. وفي منتصف الاربعينيات كان هناك فريق من الشباب المثقف الواعي الذين أسسوا مجلة راقية في أساليب طرح موضوعاتها الثقافية والفنية الهادفة أسموها ( المجالي ) وذلك عام 1945 وفي نفس هذا العام كان الفنان المعروف جميل حمودي قد أصدر مجلة فنية أسماها ( الفكر الحديث ) تعنى بالفن والثقافة الحرة وتوقفت بعد فترة لعزمه على السفر الى باريس لغرض الدراسة وبعد عودته الى الوطن بعد الدراسة حاول أن يعيد إصدار المجلة لكنه لم يتمكن لارتفاع تكاليفها المادية وعجزه عن ذلك .. واستعاض عن ذلك بإصدار مجموعة شعرية واعتبرها من إصدارات المجلة .

وفي عام 1947 أصدر الفنان الممثل والصحفي عبد المنعم الجادر الذي شارك في فلم علية وعصام الذي انتج عام 1947 مجلة فنية جامعة للفن أسماها ( السينما والمسرح ) تعنى بالفن عموماً وكانت مواضيعها في كل عدد تشمل المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل …الخ وكانت من المجلات الفنية الناجحة ، وقد إستمرت عدة سنوات .. وبعد توقفها أعاد صدورها في العقد الخمسيني بإسم جديد ( الشباب ) الى أن ترك الصحافة الفنية وترك الفن وإتجه الى الصحافة السياسية حتى وافاه الاجل أواخر عقد السبعينيات .

 وفي عام 1948 أصدر الصحفي ناصر جرجيس مجلة على شكل جريدة بحجم تابلويت(40)أدارها له الصحفي الاذاعي حافظ القباني الذي يهوى الفن والموسيقى ، وتشهد له مساهماته الاذاعية الكثيرة بذلك ، وكان اسم هذه المجلة ( النديم ) التي إستمرت بالصدور عدة سنوات ، وقد شارك مع الفنان القباني في تحرير الصفحات الفنية لهذه المجلة الناقد الموسيقي والصحفي عبد الوهاب الشيخلي الذي كان ينشر باسم ( الناقد الصغير ) تارة و( عبد الوهاب فوزي ) تارة اخرى ، وقد ظل الشيخلي يمارس الكتابة الفنية في الموسيقى حتى وفاته العام الفائت 2007 ، ولم يكن الشيخلي فناناً هاوياً فقط ، بل انه بدأ حياته الفنية عازفاً محترفاً لآلتي العود والماندولين ، ومدرساً في معهد الفنون الجميلة وعميداً لمعهد الدراسات النغمية العراقي مطلع السبعينيات ، ثم ركـَّز إهتمامه بالكتابة الصحفية والفنية والاذاعية وتقديم بعض البرامج فيها ، وظل مستمراً بها طيلة حياته .. وسبق له أن حرَّر الصفحة الفنية للملحق الاسبوعي لمجلة المصور في الخمسينيات وكذلك شغل رئيس تحرير جريدة الشعب للاعوام 56 و 57 و 1958 إذ كان يشارك معه في هذه الجريدة حافظ القباني والشاعر بدر شاكر السياب واستمر كذلك مشاركاً في كل الجرائد والمجلات الفنية .

وعودة الى الاربعينيات ، ففي عام 1948 اصدرت الاديبة الصحفية الطموحة دورين بربوزا التي إختارت لها إسماً ثابتاً إعلامياً هو ( درَّة عبد الوهاب ) أصدرت مجلة ( بنت الرشيد ) بعدد واحد فقط ، وتوقفت بسبب التكاليف المالية ، وكانت ترويسة هذه المجلة – أدبية فنية إجتماعية – ولهذه الكاتبة الصحفية أخ إسمه عادل ، هو نفسه ( عادل عبد الوهاب ) الذي قام ببطولة فلم ابن الشرق الذي أنتجه بالقاهرة محمد صالح بحر العلوم وهو ليس الشاعر المعروف بهذا الاسم .. وأخ آخر إسمه نديم الذي تزوج من المغنية المصرية التي عاشت في العراق راوية ثم إنتهى بطلاقها .. وقد كانت الصحفية الاديبة درة عبد الوهاب متأثرة بجبران خليل جبران ، وتزوجت من عبد الحميد بلال الذي كان استاذاً في دار المعلمين العالية فرع الاقتصاد ، ثم عمل في مديرية الكمارك العامة وأنجبت منه بعض الابناء(41).

وعن المؤسسة العامة للصحافة صدرت جريدة يومية إسمها ( المواطن ) كان ذلك مطلع الخمسينيات ، وكان الصحفي الفنان جمال سري حريصاً على الاشتراك فيها ، إذ أعطي له باب يومي ينشر فيه أخبار الفن والفنانين وقد شغل الصحفي المعروف سجاد الغازي نائباً لرئيس التحرير .

في هذه المرحلة التي قطعتها الصحافة الفنية في العراق أخذت المواهب الجديدة في الفن والصحافة من خلال توسع مجالات النشر والاتصالات والاطلاع وفي كل الميادين ، تتأثر وتتوسع آفاقها في التواصل التاريخي بين الاجيال ، فلم يكن هناك صراع أجيال ، بل تواصل حضاري خلقي بين هذه الاجيال ، لذا فإن هذه الحلقات التاريخية في المسيرة الثقافية الفنية المتواصلة الابداع كانت أصيلة الطابع ، أخذت تتزايد يوماً بعد آخر وتنطوي على الكثير من الحب للصحـــافة والفن ملتزمة بمبدأ الهواية ، آخذة يوماً بعد آخر في زيادة بالنضوج والتفتح الفكري والحضاري خاصة في معالجة المشاكل الاجتماعية تجاه الفن والفنانين .. فلم يكن الفنان الصحفي كامران حسني فناناً هاوياً فقط ، فقد إختلف عن زملائه في أفكاره العملية في الفن مستفيداً من تجاربه الدراسية والعملية في أمريكا ، وكان من الشباب المتحمس للفن ، إذ كان والده ضابطاً في الجيش العراقي ، لكنه لم ينشأ محباً للانضمام الى الجيش ، إنما كافح من أجل طموحاته الفنية ، وكان لهذا الامر أن أصدر مجلة أسماها ( السينما ) وشارك معه في تحرير صفحاتها الفنية بعض الاسماء منها الاديب طه العبيدي والفنان المسرحي بدري حسون فريد .. ثم تحول إسمها من السينما الى إسم جديد ( الفنون ) لانها كانت تعنى بالفن بشكل عام ومنها الموسيقى حتى توقفت عن الصدور ..

وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 أصدر الصحفي الفنان سجاد الغازي مجلة ( كل شيء ) سياسية جامعة ، ومن الملفت للنظر أن عددها الاول كان عدداً فنياً بحتاً ، وكانت لهذه المفارقة حكاية ، إذ بعد موافقة إصدار وتأسيس المجلة ( كل شيء ) كان الامتياز في قانون المطبوعات يتضمن أن تكون أقصى فترة تأخير لصدور العدد الاول للمجلة بعد صدور الموافقة على إصدارها ستة أشهر ، ولما أوشكت هذه الفترة أن تنتهي بسبب المشاكل السياسية والبلد يعج بالفوضى والاضطرابات التي عاشها أواخر الخمسينات وأوائل الستينات ، حيث احرقت واغلقت الصحف القومية مثل مجلة الحرية واليقظة والفجر الجديد وغيرها ، فكان لابد للصحفي سجاد الغازي من إصدار المجلة قبل إنقضاء فترة الستة أشهر وضياع فرصة الموافقة .. فإن أصدرها سياسية قومية فإن مصيرها معلوم كمصير الصحف التي احرقت واغلقت ، لذا إرتأى إصدار العدد الاول عدداً فنياً بحتاً من الغلاف الى الغلاف .. الى أن هدأت المشاكل وإستقر الوضع ، أخذت المجلة طابعها الاصلي الذي أسست من أجله ..

إن هناك صفحات فنية عديدة تحرر في صحف ومجلات يطول بنا الحديث عنها والخوض في مضامينها وفي خضم هذا الاستعراض الذي أشرنا فيه الى دور الصحافة الفنية في دعم وتطوير الحركة الفنية الموسيقية في العراق الحبيب ، كان أيضاً الكثير من صحافيينا يراسلون الصحف العربية ونشر أخبار الفن ..

الحركة النقدية

بسبب ما آلت اليه الحركة الموسيقية العراقية في بدايات القرن العشرين وما تلاها من سنوات التطور والنهضة متزامنة مع التحولات والتغيرات الثقافية ، تستحق التقدير والاهتمام .. فقد ظهرت حاجات كان لابد لوجودها ، أهمها حاجة الفنون الموسيقية في الاداء والتعبير والدراسات الى أن تحرر نفسها من كثير من الرواسب السيئة خاصة منها التعصب الاعمى للاطوار الموسيقية والغنائية لمختلف البيئات والخصوصيات الموجودة في عراقنا الحبيب … إن التحرر من هذه القوى المتخلفة لا يمكن له أن يكون إلا عن طريق الثقافة والاطلاع والاحتكاك لإكتساب المفاهيم الحضارية ولتوسيع المدارك الفنية وإشاعة المحبة بين الجميع .

أما الحاجة الثانية فهي ضرورة من ضرورات الابداع والابتكار لترافق هذا التطور الحاصل للفنون الموسيقية ، وأعني بها مسألة النقد الموسيقي(42)، وهذا النقد ينبغي أن يكون نقداً متزناً يستند الى معرفة واسعة في مفهوم العملية النقدية ومعرفة واسعة في العلوم الموسيقية وإدراك جيد للمفاهيم الجمالية ، وفطرت في دقة الملاحظة .. ولعل من الممكن أن نذكر ، أن تأخر المستوى النقدي للموسيقى قد ساعد على إبطاء مسيرة التطور الموسيقي التي كان يمكن له أن يقطع أشواطاً أوسع في تقدمه علمياً .. وإن من المؤسف فعلاً أننا لا نزال لانمتلك إلا النزر اليسير واليسير فعلاً من نقاد للموسيقى ، حيث غلبت على الأكثرية ممن يكتب وينشر في النقد الموسيقي الانطباعات الشخصية بقوة .. أو بمسايرة الفنون المطلوبة البراقة .. كما وإن بعضاً من النقاد تحركهم وجهات نظر إجتماعية بحتة .. ورغم أن هذا المنحى الاجتماعي في التفكير النقدي للموسيقى كان مناسباً في فترة ما ، إلا أنه في الحقيقة يعبـِّر عن موقف ضيق الافق ، لذا فإنه لم يكن صالحاً أن تبنى عليه مفاهيم نقدية حضارية ، ولا يمكن أن يبنى عليه إتجاه جمالي سمح وعميق أيضاً … فعلى هذا الاساس فإننا لا نطمح الى إقتران التفكير الاجتماعي إقتراناً وثيقاً بدوافع الفن عموماً .. ولابد أن نشيد ببعض النقاد الذين كتبوا عن قوى التجديد ودعموها بأفكارهم النيرة وأقلامهم الجادة .. أمثال الاساتذة عبد الوهاب بلال وعبد الوهاب الشيخلي وحمودي الوردي ووحيد الشاهري وحميد ياسين وحامد العبيدي واسعد محمد علي ويحيى ادريس ود.شهرزاد قاسم حسن وسعدي حميد وفائز الحداد ود. هيثم وصباح جار الله واخيراً الاستاذ عادل الهاشمي الذي ماأنفك مستمراً بشكلٍ منتظم يؤشر ملاحظاته النقدية الجادة من خلال زاويته الاسبوعية في جريدة الجمهورية ( المرفأ الموسيقي ) وكانت هذه الكتابات على قلتها أمراً فائقاً نسبة الى فوضى التخلف التي عاشتها الموسيقى في المراحل السابقة ، ويرجع الفضل في هذا إضافة الى هؤلاء القلة من النقاد ، الى نخبة واعية من الفنانين الموسيقيين الذين يمتلكون إمكانيات ثقافية مدركة ومواهب كبيرة في التعبير .. وهي مرحلة مستمرة ، قوَّتـْـها ولا تزال المزايا الفكرية المتزنة .. لأن تقبـُّل وجهات النظر النقدية والفكرية والجمالية من شأنها أن توسع أفق الثقافة والمعرفة لتقويم المسيرة الفنية ، وبدون مثل هذا التفاعل الذي يستمد قوته وجذوره من التحرر المخلص من التخلفات الفكرية القديمة والتسامح الروحي ، حيث يتحتم على أي وضع ثقافي أن يصبح في إتجاه محدود .. وقد رافق هذا التفاعل عند بعض النقاد وبين بعض الفنانين الجادين غربلة عامة للقيم السائدة والمتوارثة للعلوم الموسيقية بشكل عام وبدا في الافق ترتيب جديد لها .

تبقى هناك حقائق لا تتغير على مدى العصور فهناك التجديديون ، والابداعيون وهناك التقليديون ، وهناك المدَّعون ، والمتحذلقون والمستفيدون دوماً في سبيل وضع الخلق الفني في قوانين ضيقة وتحديده ، وسوف يبقى هناك دائماً جمهور للموسيقى الزائفة والرديئة ، إنه جمهور ضعيف لحسن الحظ ، ولكن من داخله تنطلق صرخات الكراهية والمقت والاتهامات التي لا تستند الى حقيقة واقعة للفنان وسوء النية نحوه .. فعلى الفنان الجاد كي يسير في خطىً حثيثة أن يصغي للصوت النقدي الايجابي الذي تطلقه الاقلام التقويمية الجادة ..



 * المعلومات مأخوذة من محاضرة الكاتب الصحفي الشهير سجاد الغازي عند استضافته في ملتقى حسين الاعظمي الاسبوعي صباح الخميس 13/6/1996.

 (28) الترويسة – هي المعلومات التي تكتب تحت اسم الجريدة او المجلة …الخ تتحدث عن ماهية الجريدة او المجلة ومن يقوم على اصدارها كأن نقول جريدة فكاهية ، اجتماعية ، موسيقية ..الخ رئيس التحرير فلان … ( مكالمة هاتفية بين المؤلف والاستاذ سجاد الغازي 11 / 9 / 1998 ) .

 (29) الملا عثمان الموصلي – احد رواد النهضة الموسيقية العربية – كان مؤديا كبيرا – شاعرا – ملحنا – خطيبا فصيحا بليغا عازفا للكثير من الآلات الموسيقية اضافة الى الايقاع – مؤلفا – اديبا – حفظ القرآن الكريم وهو صغير السن – معظم تنزيلات المناقب النبوية الشريفة من الحانه – معظم الالحان التي اعدها سيد درويش هي من الحانه – وكان اهم تلاميذه سيد درويش – ولد في الموصل 1271هـ – 1854 م وتوفي في بغداد 1341هـ – 1923م درس تفسير القرآن الكريم عن البخاري – ( خليل ، شعوبي ابراهيم ، المقامات ، وزارة الارشاد ، مط اسعد ، بغداد، ط اولى ، جـ اول ، ت 1382هـ - 1963م ، ص 16-17 ).

 (40) حجم تابلويت – هو الحجم الذي يعادل نصف حجم الجريدة المعتاد ( نفس مصدر هامش رقم 20 ).

 (41) هذه المعلومات عن الصحفية درة عبد الوهاب أخذت من الاذاعي المعروف حافظ القباني عند استضافته في ملتقى حسين الاعظمي صباح الخميس الموافق 20/6/1996 ، حيث سئل عنها لأنها كانت قد جاءت قبل ليلة مع ابنها لتحضر محاضرة الصحفي المعروف سجاد الغازي التي القيت الخميس 13/6/1996 حيث كانت تظن ان الملتقى مسائي ، وقد سألت ، هل تذكرها الاستاذ سجاد في محاضرته أم لا .؟ كونها أصدرت مجلة فنية بعدد واحد اواخر الاربعينيات .

 (42)المذهب النقدي – النقد – (crit’cism ) النظر في قيمة الشيء وتمحيصه واظهار عيوبه ومحاسنه وما يجب ان يكون عليه.