المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
12/09/2009 06:00 AM GMT
1 - شيئ عن المقام العراقي
2 - المقام العراقي بين الماضي والحاضر والمستقبل
3 - البناء الفني
شيء عن المقام العراقي
يسود الاعتقاد في الاوساط الغناسيقية ان المقام العراقي عبارة عن مجموعة اجناس موسيقية وغنائية تتصل ببعضها البعض لتكوين قوانين وعناصرواصول حلت الغازها ..! بيد ان المقام العراقي اضافة الى وجود هذه الاجناس هنا وهناك في ادائه ، يعتبر نمطا معينا من النظام الدقيق ذي الاصول الادائية الرصينة ، وهو عمل حسي تمتزج مكوناته جميعا للحصول على الوحدة المتكاملة في بنائه وقابل للتطوير .
من هذا المفهوم ، تتجسد الاداء والافكار الشعبية للاداء المقامي حول عناصره ومكوناته الادائية الاصولية بشكل ان يكون طاغيا .. اوسع بكثير لما ينظر الى المتطلبات الفنية والجمالية لعملية الاداء هذه .. في الوقت الذي يتفاعل المتلقي المتذوق بشكل عام مع المادة المقامية او مع الاعمال الفنية عموما على اساس انه تعبير حسي يخاطب احاسيسه دون الاهتمام بدقة المكونات وقواعدها واصولها .. لذلك فان المفعول الاستاتيكي لعملية اداء المقامات لا يتعرض للتقويض ابدا .. فقد كان القبانجي محقا عندما رأى في الاداء المقامي بان عنصر التطريب يحتل موقعا مهما في الاداء حيث قال ( ان قضية الاداء قضية جمالية )… >
ان القوة التعبيرية للفنان عموما لا تتأتى من معناها وحدها ، بل من طبيعة شكلها ايضا ، لأن المحتوى يحتاج الى شكل ، والشكل يحتاج الى محتوى …. اذن ما سبب هذا التباين في آراء وافكار المؤدين والناس غير المتخصصين والمتذوقين والمهتمين بشؤون الموسيقى والمقام العراقي ..!؟ وكيف نفسر هذه التناقضات ..!؟ … يا له من واقع عجيب !!
لذلك نرى ان الآراء والافكار والنعوت والتعاريف حول ماهية المقام العراقي قد تعددت ، من قبل نقاد ومتتبعين وكتاب ومتخصصين في هذا الموضوع . ولما كان المقام العراقي لونا غناسيقيا تراثيا فقد كانت معظم التعاريف والآراء تصــب في محور الخصوصية البغدادية كون انهم تحدثوا عن المقام الذي يؤدى في بغداد …ومع ذلك فقد اختلفت التعاريف هي الاخرى وفيما يلي بعض هذه التعاريف .
1- يقول الحاج هاشم محمد الرجب في كتابه ( المقام العراقي ) معرفا اياه بما يلي ( هو مجموعة انغام منسجمة مع بعضها له ابتداء يسمى بالتحرير او البدوة وانتهاء يسمى التسليم وما بين التحرير او البدوة والتسليم مجموعة من القطع والاوصال والجلسات والميانات والقرارات يرتلها البارع من المغنين دون الخروج على ذلك الانسجام المطبوع ).
2- يقول جلال الحنفي ( المقام العراقي هو نمط بين الغناء عرف في بغداد وبعض المدن الشمالية ومنها الموصل وكركوك على اختلاف يسير بين مغني هذه المدن في تعاطيه وفي بعض تسمياته وكيان هذا النمط من الغناء يظهر في تجمعات نغمية يتحقق تجمعها وتأليفها وفق قواعد واسس اصطلح عليها اصحاب هذه الصناعة بحيث تبدو سليمة المنحى وذات محتوى مستساغ واطار جامع ) .
3- اما المرحوم شعوبي ابراهيم فيقول ( هو مؤلفة غنائية لها قواعد محدودة ، لانتقال المغني من نغم الى آخر ليكون للارتجال الغنائي نصيب فيه ) .
4- وفي تعريف المرحوم عبد الوهاب بلال نجد ان ( المقامات العراقية .. هي لون من الوان الغناء الشعبي العربي في العراق التي ضيفت الحانها في العراق .. فغناها المطربون البغداديون .. والمقامات العراقية … هي عبارة عن مجموعة من الالحان الشعبية المنسجمة .. والتي تعددت انغامها وتنوعت الوانها مما اصبح لها الاثر الكبير في الغناء العراقي .. والذي له الصدارة على جميع انواع الغناء في البلاد .. وقد غدت اصولها وقواعدها ثابتة بما يسمى بـ( المقامات العراقية ) وهذه المقامات كانت ولا تزال تغنى في العراق .
5- يشير الاديب الموسيقي اسعد محمد علي ، الى ان المقام العراقي ( هو فن كلاسيكي له ضوابطه ومقوماته ) .
6- يقول الباحث كمال لطيف سالم ( ان اهم ما يميز الغناء عندنا المقام العراقي الاصيل الذي لا يغنيه سوى اهل العراق وان كانت انغامه ذات صلة بالانغام الموجودة في الموسيقى العربية ) .
(2)
المقام العراقي بين
الماضي والحاضر والمستقبل
-----------------
يعتبر التجديد والابداع في اداء القبانجي لهذا المقام او ذاك ، بشكل عام ، درجة في سلم الانتقال من التقليدية الى التجديد ، حيث تتجلى السمات الابداعية التي اضافها القبانجي في ادائه للمقامات ، وبها كان القبانجي يتوقد نشاطا قوي الارادة ازاء كل الاراء المختلفة ، انني ارى كما يراه الآخرون فيما اعتقد بأنه لابد للمؤدي المقامي ان يعتمد في ادائه الغنائي على ثالوث زمني مهم ، بل غاية في الاهمية ، هو ان ينطلق من الماضي ويعيش الحاضر وينظر الى المستقبل بقناعة وايمان تامين ، خاصة وانه يؤدي مادة غناسيقية تراثية من الصعب تجاوزها .. فالانطلاق من الماضي يجعلنا نؤكد التسلسل التاريخي المترابط والمتداخل والمتماسك لاستمرار عملية التطور التي تحصل بشكل سليم حفاظا على اصالة المادة الغناسيقية المؤداة وارتباطها بجذورها . اما الحاضر المعاش فهو الذي من خلاله نربط بين الماضي والمستقبل ، وبالرغم من عدم وجود زمن حاضر فـــي حقيقة الامر ، لان الحاضر يصبح ماضيا في لحظته ، الا اننا نريد بذلك ربط ماضينا بمستقبلنا من خلال التجسيد الفعلي لهذا الزمن الذي اسميناه حاضرا ، والعمل فيه على تطبيق المستوى الثقافي الفطري والعقلي الذي يتمتع به المؤدي لغرض اضهار عملية التطور التي تحصل للمادة المؤداة من قبل المؤدي .. وطبيعي ان قيمة هذا التغير .. مرهونة بمستوى المؤدي الثقافي ، العفوي او الدراسي .. اما بالنسبة الى المستقبل فان النظر اليه بعين ثاقبة والتفكير به بتركيز ، يعد صلب حياتنا ، ومحور تطور ثقافتنا الغناسيقيةوتحسب وتقيم ثقافتنا على المستوى الفكري لمنظورنا المستقبلي ، فالماضي والحاضر يعملان في خدمة المستقبل ، خاصة وان الاهتمام بموضوع المستقبل اصبح اكثر جدية واكثر اهمية من أي وقت مضى بسبب سرعة الحياة التي نعيشها والتي تزيد سرعتها في كل لحظة نمضيها متزامنة مع تطور التكنلوجيا العصرية في سرعتها الهائلة التي لا يتصورها العقل ولا تستطيع تصوراتنا وتوقعاتنا ان تصل الى ما قد يحدث او يكون في حياتنا التي نعيشها او لا نعيشها مستقبلاً .
تنطبق كلماتي هذه على نحو ما ، على المؤدي الرائع ناظم الغزالي الذي استطاع بدقة ادائه وحسه المرهف وعقله النيّر ان يمتلك اداءه ويسير به نحو الآفاق المستقبلية … فقد كانت الخمسينيات والستينيات التي لم يعش الغزالي حتى نهايتها انعطافة اخرى في مسيرة الغناء البغدادي والعراقي على وجه العموم .. برزت فيها الاغنية العراقية الملحنة بشكل مثير ، اغنية تمتلك خصوصية عراقية مستقاة من الواننا الغنائية تحمل نظرة جديدة واعية للحياة ، ساعدت على تطورها وبلورتها انماط جديدة من العلاقات الثقافية والاجتماعية ، ادت بدورها الى ظهور العديد من المؤدين الجيدين للاغنية العراقية والبغدادية امثال .. سليمة مراد .. مائدة نزهت.. زهور حسين.. عفيفة اسكندر.. ناظم الغزالي .. يوسف عمر .. عباس جميل .. رضا علي... الخ . مما ادى في النهاية الى بلورة الفن الواقعي الجديد .
(3)
البناء الفني
-------
يقوم البناء الفني لاداء المقامات العراقية على مفهوم اساسي هو الديناميكية في الاداء ، ونعني بذلك الحركة الفنية المستمرة المتصلة في التغير والتنوع بين السلالم والاجناس الموسيقية والغنائية فيما سمي بالقطع والاوصال والاستمرار في اداء المقام كوحدة متكاملة ..
والنقاد والمتتبعون لشؤون المقام يتحدثون عن هذا العنصر الديناميكي لعملية البناء اللحني للاداء المقامي بتناقض ، حيث انقسموا الى فريقين ، كل فربق يريد ان يؤكد ، اما ديناميكية الاصول الادائية التقليدية او ديناميكية البناء الجديد في اختزال تلك الاصول او تهذيبها او الاضافة اليها واحلال الجديد محل بعضها .. وهذه القوى تتجلى بوضوح عندما نستمع الى حفلات او تسجيلات المقامات التي اداها المطربون خلال القرن العشرين … لهذا يجدر بنا .. ان ننظر الى هذه القضية بعين العلم والفن والمعاصرة … بدلاً من التعصب الى احد الفريقين .. ويمكن لنا ان ننطلق من نقطة معينة اراها مهمة جداً، هي دراسة وتحليل هذا التراث ومن ثم تأكيد وتوضيح الاصح من كلا الفريقين ومن ثم معرفة ماهية التراث والموروث الموسيقي بمعناه العلمي الاكاديمي ليتسنى لنا بعدئذ تقديم طرف على آخر…
الاداء المقامي عموماً ينجذب نحو هذين الاسلوبين او الفريقين كونه تراثاً وموروثاً مدنياً حضارياً… وفق اختيار حّر يبدو وكانه متروك لاهواء المؤدي وميوله ونشأته ، ويستطيع السامع المتذوق تحديد اسلوب كل من الفريقين فيما اذا كان تقليدياً او تجديدياً بعد سماعه بضعة جمل من غناء أي مغنٍ للمقام …
في صدد الدراسة الاكاديمية للتراث والمروث الغناسيقي يقول د. طارق حسون فريد (أنهما المادة الصوتية والنسيج الموسيقي المجسد لمجموع الارث الحضاري الموسيقي الذي يبتكر ويؤدى ويعاد اداؤه في هذا العصركما في العصور السابقة) ثم يسترسل ويقول : ( لا قيمة للتراث من دون معاصرة ولا قيمة للمعاصرة من دون جذر يمتد بالامة الى اعماق تجاربها الماضية في العطاء والابداع)..
اذن فدراسات التراث والموروث بشكل عام تسعى في غايتها الى الكشف عن الانجازات والابداعات التي حققها الاسلاف ، أي اننا نبحث عن ثوابت المادة التراثية ومن ثم ما يطرأ عليها عبر المراحل التاريخية للغناء والموسيقى وتطورهما
|