محاور في المقام العراقي/المحور العاشر

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
08/10/2009 06:00 AM
GMT



1 - كيف يجب ان يؤدى المقام العراقي

2 – في اسلوب عرض المقام العراقي

3 – حديث عن الاسلوب

4 – اهتمام المثقفين ووسائل الاعلام

                                  (1)

كيف يجب ان يؤدى المقام العراقي

بادئ ذي بدء ، ان الحديث عن المقام العراقي كثير ومتشعب ومختلف ، ويتبادر الى أذهاننا أسئلة عدة ..!!

-        هل أن الاداء الحالي للمقامات العراقية او تجاربه منذ العقود الاولى للقرن العشرين وحتى الآن تستجيب لمطاليب الى هذا الحد من الاختلاف ..؟

-        أو هل ان الاداء الحالي للمقامات العراقية بما يحتويه من سلبيات موروثة يستوجب الاختلاف الحاد بشأنه ؟ أم ان هناك حيز من سعة الصدر يمكن من خلاله الاستماع بروية وتأني الى جملة اسئلة ميدانية من خلالها . يمكن عرض الموضوع برمته الى ذوي الاختصاص للاجابة دون تشنج او ادعاء خدمة لهذا الفن النبيل ليس إلا ..!!؟

-                            كذلك ، ماذا يريد السامع ، وماذا يتمنى ان يكون عليه الاداء المقامي او اسلوب عرضه .. ؟

-        وما هي الاشياء التي يبحث عنها السامع تتعلق بشكل او بآخر بالمقام العراقي وشكله ومضمونه واستمرارية تأثيره في الجماهير..؟!

لقـد تحـدث النقـاد الموسيقيون والمتتبعون لشؤون المقام العراقي بخصوص موضوع ادائه ، وما يكتنفه  من غموض تارة ووضوح تارة أخرى ، منوهين ومشيرين الى المصير الخطير الذي ينتظر او قد ينتظر المقام العراقي ذا التاريخ العريق .. حتى وصل الحد عند بعضهم الى الادعاء بأن المقام يحتضر وانه سيموت وينتهي .. !! بحجة أن كبار المؤدين قد رحلوا …!! كما أشرتُ الى هذا الموضوع في مكان سابق ، اذ يمكنني القول هنا ايضاً .. ان المقام العراقي كونه مادة تراثية أصيلة ، يمكن ان يناله بعض الانحسار في فترة ما او فترات .. نسبة للظروف المعاشة بشتى جوانب الحياة .. والتي تنعت بالبائسة تحديداً ، بيد انه لن يحتضر ولن يموت ولن ينتهي مطلقاً .. ذلك ان التراث والموروث عموماً وبكل ظواهره  ، لاينشأ ولا يموت من خلال الافراد او من خلال ارتباك الفترات الثقافية مهما كانت قيمة وتأثير الفرد ثقافياً او مهما كانت الظروف ..! لأن التراث وليد الجماعة والمجتمع والبيئة فهو ملك لهم … ومتى ما إنتهت هذه الجماعة او هذا المجتمع وهو أمر نادر في التاريخ …!! ينتهي كل ماله علاقة به .

ولعل الواقع الحالي السلبي بشكل عام لاداء المقامات العراقية حدا بالمتحدثين الى إعلان تشاؤمهم حول مستقبل الاداء المقامي او المقام العراقي برمته .. وبالفعل ان الاداء المقامي سيبقى مرتبكاً دون تطور اذا ما بقى التخلف الفني والثقافي لدى أكثر مؤدي المقامات المعاصرين سائداً.. ان المقام يحتاج على الاقل الى اسلوب عرض يمتاز بالجمالية التي تحاكي اذواق الناس المعاصرين ، فالمقام العراقي الذي يمتلك تأريخاً عريقاً واصيلاً ، ولكن أسلوب عرضه بائس ، يبعث على الأسى…

إن تجارب بعض المؤدين الخالصة خلال هذا القرن توحي بنجاح المحاولة فكانت الابداعات الفردية التي مرّ ذكرها والتي جاءت بواسطة رائدها ومثيرها الاول محمد القبانجي وتلتها المحاولات الاخرى ويمكن ان نختار احد هذه الاسماء المبدعة ، ناظم الغزالي المؤدي المقامي المتحضر الذي قلب موازين و مفاهيم كثيرة في الجمال والذوق ، تخص شأن الاداء المقامي ، واقترب كثيراً من الاسلوب العلمي والفني للاداء بشكل عام سواء في الاغنية ام في المقام ، حاول فيه تطبيق مادرسه او تعلمه بالفطرة ..!! في اداء الجمل الغنائية مراعياً فيها الرموز التعبيرية العالمية المعروفة في الاداء الغنائي والموسيقي التي بواسطتها يتلون الاداء وتتنوع تعابيره . حيث كان يراعى فيها مواقع الضغوط الايقاعية والادائية مثل شدة قوة الصوت (Fotissimo ) وقوته (Forte ) او متوسطه (Mezzo Forte ) أو خفوت الصوت بشدة (Pianissimo ) او خفوته (Pino  ) او متوسطه (Mezzo Pino  ) وكذلك الاخذ في الشدة تدريجياً (Crescendo  ) او التنويع بين تقطيع الجمل الادائي (Staccato  ) او ربطها (Legato ) وغيرها من التلوينات الادائية التعبيرية التي كان يشعر او يفهم ان العملية الادائية تحتاجها .. واذا استطعت عزيزي القارئ والسامع فاسمع الى بعض مقاماته مثل مقام البنجكاه الذي يغني فيه قصيدة الشاعر جعفر الحلي(*) ..

 

يا قامة الرشأ المهفهف ميلي

لضماي منك لموضع التقبيل

رشأ أطل دمي وفي وجناته

وبنانـه أثـر الدم المطلول

ياقاتلي باللحظ اول مـرة

أجهـز بثانيـة على المقتول

مثل فديتك بي ولوبك مثلوا

شمس الضحى لم أرض بالتمثيـل

أتلو صحائف وجنتيك وانت في

سكر الصبا لم تدر بالانجيـل

أفهل نظمت لألئاً من ادمعي

  سمطين حول رضابك المعسول

ورأيت سحر تغزلي بك فاتناً

فجعلتـه فـي طرفك المنحول

                          أشكو الى عينيك من سقمي بها

شكوى عليل بالهوى لعليل

فعليك من ليل الصدود شباهةٌ

لكنها في فـرعك المتبول

وعلى قوامك من نحول مسحةٌ

لكنها في خصرك المهزول

لي حاجة عند البخيل بنيلها

  ما اصعب الحاجات عند بخيل

 

في اسلوب عرض المقام العراقي

على الرغم من سوء الاسلوب في العرض الفني للنتاجات الغنائية المقامية كما قلنا ، سمعياً وبصرياً من خلال الاذاعة والتلفزيون ، إلا أن إرتفاع نسبة الجماهير المتذوقة لهذا اللون الادائي ووفاء جزء كبير منهم ، لهُوَ شاهد على حيوية هذا الغناء التراثي في المجتمع ، او على الاقل يكون علامات خارجية تدل عليه ، ومع ذلك فان اداء المقام العراقي لم يعدم كثير من الادانات التي وجهت ضده منذ ان بدأ التطور الحديث للتكنلوجيا ، سواء على المستوى الفني او العلمي ، وكانت هذه الانتقادات قد صدرت على وجه الخصوص من النقاد او المتخصصين في هذا الشأن ، فمنهم من قال او يقول ، ان المقام يحتضر وموته لن يتأخر !!! ومنهم من يقول ان هذا اللون من الاداء غير جميل او ان شكل هذا اللون الغنائي فيه شوائب ادائية قديمة لازالت عالقة فيه لا يقتضي تكرارها في زمننا المعاصر ، .. او ... او .. الخ والى هذا اليوم لا زال بعضا من هؤلاء النقاد الموسيقيين يعلنون لنا ذلك منذ اكثر من ثلاث عقود زمنية .. ولم تكن الهجمات التي تعرض لها المقام العراقي ولا يزال والتي قاومتها مجانية ، لا مسوغ لها ، ذلك ان المقام العراقي كونه تراثاً غناسيقياً حضارياً ، سواء طمح الى إظهار الواقع او روح العصر وتفسيره او الى التعلم او التسلية والتطريب ، فهو يملك وسائل تأثير قوية في المجتمع ، لا يحتاج الى دفاعي انا وغيري .. انه لا يقتصر على كونه مرآة تعكس ذوق الجمهور ، بل هو يخلق هذا الذوق ، وهو من هذه الناحية قام ولا يزال يقوم بالوظيفة نفسها والتي تؤديها وسائل الاعلام السمعية والمرئية ، والاخيرة لها تأثير واسع وأعم … بهذه الصورة تبتكر اشكال الاساليب وطرق الاداء الغنائي وتتطور وتبتكر اساليب العرض الملائمة لروح العصر من خلال العرض التلفزيوني خاصة تلك التي تتعلق بالتعابير الادائية التي تتعلق بمضمون المقام العراقي التي تعتمد على مؤدين مقاميين يدركون مهمتهم العصرية ومواكبة تطلعات الواقع الثقافي والذوقي والجمالي ، وكذلك تلك التي تتعلق باسلوب عرض الشكل المقامي التي تشمل الديكورات والملابس والفرقة الموسيقية والكورس وتنوع الصورة الاخراجية .. الخ .

ولا جدال في أن الآراء النيـِّرة للنقاد الموسيقيين او المهتمين بشؤون المقام العراقي منذ أن إحتدمت النقاشات والمشاحنات حول موضوع المقام وما يضمه ، قد اسهمت في تطوير وابعاث روح الحياة والنشاط المستمر الحيوي للمقام … الى درجة ان محبي هذا اللون التراثي من العامة والمتذوقين لتراثهم يناقشون ويجادلون في شؤون المقام العراقي أينما حللنا بهم بالرغم من أنهم متذوقين فقط غير ممارسين .

   كذلك خلق المقام العراقي عالماً ميثولوجياً ( اسطورياً ) غنياً ، يوجد فيه جنبا الى جنب كل المؤدين المقاميين الذي مرُّوا على تاريخ هذا الاداء التراثي ، منهم مثلا شلتاغ الاصولي ، واحمد الزيدان الجهوري ، ورشيد القندرجي الزيري ، والقبانجي الابداعي، ونجم الشيخلي الشكلي ، وجميل الاعظمي الديني ، ويوسف عمر التقليدي وحسن خيوكة الهادىء ، وناظم الغزالي الرومانسي واتباعهم جميعاً .. إن الملامح الادائية التي تميـَّز بها كل هؤلاء المؤدين في طرقهم واساليب ادائهم الغنائية وانتشارها وحصولها على اتباع كثيرين ، ترسخت اصولها بصورة عميقة في أقل الاوساط ثقافة وميولاً نحو التراث الغناسيقي العراقي .. لأن المستمع للمقام العراقي والمثقف به والمطلع على شؤونه وتاريخه ، يستمع الى هؤلاء بعمق وتركيز شعوري لكنه ينطوي ايضاً على تعطش حقيقي الى الذوق والتطريب والخيال العاطفي والخيال العلمي ، والاخير يلقى رواجاً في المجتمع الثقافي يهدف الى اشباع الحاجة نفسها ، لكن حالته أكثر تعقيداً ، ذلك ان السماع بخيال العقل أكثر من السماع بخيال العاطفة يشغل السامع بالتفكير النقدي للعمل وتحليله كعمل فني ناجح .

 

حديث عن الاسلوب

------------

لما كنا لا نخشى الحديث عن تطور التراث واساليب عرضه ، فاننا نحاول ان نجمع بين مشاكل الاسلوب الادائي وملائمتها للاذواق كعملية استاتيكية ينبغي ان تؤخذ بعين الاعتبار بشكل جاد .. ومشاكل المادة التراثية التاريخية الاصولية في مضمون المقامات العراقية ، ومع ذلك فان الاهتمام بموضوع ثوابت ومتغيرات المادة التراثية والحديث عن تطويرها والابداع فيها ، يثير المناقشات المعاصرة حقاً .. وبشكل مستمر وبحماس واضح .. وأكتفي بالاشارة الى المحاولات الابداعية التي أنجزت في القرن العشرين والتي سبق أن ألقينا بعض الضوء عليها ..

    كثيراً ما نلاحظ ان المتخصصين والمتتبعين لشؤون اداء المقامات العراقية يولون أهتماماً متزايداً لاسلوب المؤدي الذي يجب ان يقترب من أسلوب القدماء كما مرَّ بنا … فمن حيث المفهوم المعاصر ، فان ذلك لا يبعث على السرور دائماً … وفي بعض الاحيان يـُتصدى لهذه الاهتمامات وهذه الافكار من خلال النزعات التجديدية والابداعية من قبل البعض من المتخصصين او بعض من الجماهير ولو بشكل غير مدروس اوغير مقصود في بعض الاحيان .. فيحدث عندئذ الصراع العتيد في كل عصر بين القديم والجديد .. ولكننا نحتاج الآن الى الهدوء في مناقشة هذا الموضوع ، لأن مسألة التفضيل بين بقاء القديم او التجديد فيه يجب أن تستند الى اسس منطقية وعلمية وجمالية ، ليتسنى لنا توضيح الكيفية التي يمكن بها ان نتعامل مع تراثنا الغناسيقي …

  قبل كل شيء .. يجب ان ننتبه الى اننا نتعامل مع تراث مدينة وليس غير ذلك ، لأن المقام العراقي الذي يمارس في بغداد ، ولد ونما وترعرع ومورس فيها كمدينة وعاصمة ..! رغم وجوده الاصيل في مدن شمال العراق على وجه العموم ، وتأكيدنا على هذه الميزة ، هو أن تراث المدن يختلف عن تراث كل البيئات مثل بيئة الريف او البادية او الصحراء او السواحل او الجبال .. الخ  حيث تتميَّز بثبات تراثها من حيث شكله ومضمونه تبعاً لثبات الحياة فيها والتي تكون فيها الحياة متميزة بالاستقرار المشوب بالرتابة الى حد الركود .. لتبعدها عن ديناميكية الحياة السريعة المتغيرة في المدينة … وعليه فانه يتبادر الى اذهاننا عند ذكر مصطلحات بيئة الريف او البادية او… او.. الخ تلك الحياة البسيطة من زراعة او تربية  حيوانات … او غيرها . حيث تبقى كذلك كما كانت قبل ذلك بنفس المنحى في الحياة التي تتسم بالثبات ، بيد أننا لو تناولنا مصطلح المدينة فاننا سنصطدم بادئ ذي بدء بحركة الحياة المستمرة في ديناميكية لا تتوقف ومستمرة ، سماتها التطور والتغير و الابداع ، وزيادة على ذلك ان المقام العراقي لم يترعرع في المدينة فحسب ، بل انه ترعرع في مدينة بغداد عاصمة العراق منذ العباسيين فهي اذن مركز الفكر ومركز الثقافة ومركز الدولة ومركز الدوائر الحكومية والجامعات ومركز الحضارة .. ومدنية بغداد عاصمة الامة وملتقى كل البيئات ، فهكذا حال ، تتطور فيه المجتمعات وتبنى الحضارات وتكثر الابداعات بشكل مستمر … اذن فالتراث الغناسيقي للمدينة جزء ممن مكوناتها  ومكونات حضارتها ، فلا يعقل لجزء منها يمسه التطوير وجزء آخر يبقى ثابتاً جامداً ، فلا بد ان يكون الظرف الثقافي شاملاً وعاماً لكل مكونات واجزاء الحياة في المدينة .

وبهذا فاننا عندما نتحدث عن تطوير المقام العراقي ، ذلك لأنه تراث مديني متقبل لكل ما يطرأ على حياة وظروف المدينة من تغيرات ، فما يحدث في بغداد أو كركوك أو الموصل أو السليمانية او اربيل او دهوك بشكل عام يتأثر المقام بهذه الظروف بطبيعة الحال ..

  نعود مرة اخرى بحديثنا عن أساليب الاداء المقامي ، فان الاسلوب الفردي للمؤدي تتجلى فيه تأثيرات متباينة في التعبير الروحي عن أسلوبه المبتكر، أعتماداً على ذوقه المتكوِّن كما قلنا من نشأته وثقافته وفطرته .. أي انه ينشأ بين اساليب انفرادية ابداعية منتشرة حواليه ، ليكوِّن بعدئذ من هذا المزيج المتباين من التعبيرات الروحية ، ومن بعض التجارب المساعدة له على ذلك .. الاسلوب الخاص به ، منها اعتماده على الاساس اللحني لمسار المقامات التي مر الحديث عنه …

ان المؤدي يبلور عموم هذه التعبيرات الروحية في ادائه للمقامات الى خصوصية  تعبيره ضمن اسلوب ادائه المبتكر .. بهذه الجهود كلها نكون قد فتحنا بعض الابواب التي كانت موصدة في وجه التطور الادائي للمقام العراقي طيلة قرون عديدة … ومن جانب آخر يمكننا أيضاً الاعتماد على المتلقي المرهف الحس الذي يفهم ولو بشيء من التبسيط دقائق الاداء … فالعمل كلية يرقى الى فهم وتوضيح قوة الاسلوب الادائي لاجل استنفاذ معرفة ، او الوصول الى معرفة الافكار الابداعية والمشاعر والاعمال المختارة في سبيل تربية حاسة المتلقي وارهافها وتهذيبها ، واذا لم يحدث هذا ولم يتحقق فان دراستنا وتحليلنا للاسلوب عديمة الجدوى.

 يوحى لنا عند سماعنا مقام الدشت المؤدى من قبل المطرب الهادئ حسن خيوكة ، ان فيه الكثير من خصوصية الاسلوب الادائي وخصوصية التعابير التي اختص بها وتميـَّز حسن خيوكة عن غيره من المؤدين ، وقد وضع خيوكة في هذا المقام إضافة اخرى كتحلية لهذا المقام لم تكن من قبل ، وهي مقطع ملحن وموزون يتكرر داخل غناء المقام عدة مرات بنفس ابيات القصيدة التي اداها في هذا المقام . وهو بلا شك ابداع رائع يضاف الى خصوصية اسلوبه المبتكر الذي لم يكن قد حسب له حسن خيوكة حساباً من قبل على الارجح .. واليك عزيزي القارئ القصيدة التي اختارها خيوكة لهذا المقام والمسجلة بصوته في اذاعة بغداد

من عجيب قد اباحوا سقمي         مع سهادي طول ليل مظلم

ثم جاروا وسعوا في مأتمي         واستحلوا بالهوى سفك دمي        

وهم بالجور من قد عذلوا             وهم بالجور من قد عذلوا } موزون أنفرادي

قد حلا نظمي ورق الغزل              من هوى قوم بقلبي نزلوا } أنشاد موزون

ذكرهم عندي يزيل الالما           عن فؤادي ويزيح السقما

زاد شوقي وهيامي عندما           أصبح القلب كئيباً مغرما

و به للناس سار المثل                         و به للناس سار المثل    }موزون انفرادي

قد حلا نظمي ورق الغزل              من هوى قوم بقلبي نزلوا } أنشاد موزون

لي فؤاد لم يمل عن حبكم           لو تفانى حسرة من صدكم

حبي هذا والرضا من عندكم  ما تشاؤوا فأفعلوا في عبدكم

(هو في الروح لكم لايبخل             هو في الروح لكم لايبخل } موزون انفرادي

(قد حلا نظمي ورق الغزل             من هوى قوم بقلبي نزلوا } انشاد موزون

لا ازاح الله عني عللا       لاولا ابري لسقمي غللا

يوم اشكو من هواكم مللا           انا لا ارضى سواكم بدلا

(عذبوا قلبي فأن شئتوا انصفوا    عذبوا قلبي فأن شئتوا انصفوا}

موزون انفرادي

قد حلا نظمي ورق الغزل               من هوى قوم بقلبي نزلوا }

 انشاد موزون

 

اهتمام المثقفين ووسائل الاعلام

--------------------

بدا لبعض المؤدين المقاميين فجأة ، انه عندما يتكلم نقاد الموسيقي والاداء المقامي ، عن مقومات الاداء الناجح وما يتطلبه من امكانيات فنية من قبل المؤدي زيادة عن الموهبة الصوتية ، بدا لهم ان هؤلاء النقاد الموسيقيين المقاميين ، لا يفقهون بما يتحدثون به ، وكأنهم لم يطالبون بالذي يجب ان يكون ..!

كلا ، وارجو المعذرة من زملائي المؤدين المعاصرين ، اذ ينبغي عليهم ان يعرفوا ان الاداء الذي يمارسونه نقلاً عن الآباء والاجداد اعتماداً على التجربة الامبريقية ، هو ليس بالاداء المطلوب من الناحية الفنية ، لأن العملية الادائية تستلزم امكانيات اخرى تعتمد على العلمية والتفكير الموسيقي وجماليات التعبير وتصوير المعنى والموهبة الاصيلة وفهم وادراك لديناميكية العمل الفني وبناء العلاقات الداخلية ، اضافة الى فهم لمعاني القصيدة المغناة وضبط النطق بها ومخارج الحروف …الخ .

لقد اهمل المؤرخون الفنيون واهل المقام كلهم دراسة وتحليل العمليات الادائية الغنائية لحقبة طويلة من الزمن ، إهمالاًًً بالغاً وتناولوها بشكل سطحي دون عمق وروية ، وظلت وقفاً على المؤدين الذين أدوا المقامات العراقية على مدى القرون الماضية والذين أهملوا أيضا جوهر القضية المطلوبة ، ألا وهي العملية الادائية التي نتحدث عنها الآن في هذا الكتاب .

لقد عبـَّرتْ بعض الآراء التي طرحت في خضم المناقشات الفنية فيما يخص أداء المقامات العراقية واصولها خلال المنبر الاول للمقام العراقي الذي أقامه بيت المقام العراقي عام 1993 .. حول الموضوع العتيد التقليدي الذي نعني به القديم والجديد ، وكذلك عن نهضة جادة إجتاحت النصف الاول من هذا القرن ، تدعو الى تطوير سبل اداء المقامات متمثلة هذه الآراء في معظمها بسخط التقليديين وعدم ثقتهم بمقاصد العلوم الفولكلورية فيما يخص لغة الاداء المقامي … وفي نفس الوقت لا أود أن يفوتني القول بأن هذا يشكل إعترافاً مرَّاً ، بأن تراثيينا المتخصصين في اداء المقام العراقي ونقاده ، لم يقدموا إلا النزر اليسير في ميدان دراسة وتحليل العملية الادائية التي يجــب ان تقوم على المقومات التي مرَّ ذكرها ..

اضافة الى ذلك فان موقف معظم المتخصصين في شؤون اداء المقامات العراقية يستند الى التقاليد ، وهي بلا شك ، تقاليد عريقة ، والفنان المبدع يحتاج الى الاصل التقليدي دائماً عند نتاجه الابداعي ، سوى أن المفاهيم والاسس التي نتكلم عنها تتجسد عبر الاداء المقامي المتمكن المستند عليها حسب ، في حين يغدو الاداء بائساً دون هذه الاسس ، لذلك فان هذا الاداء يتطور ليصبح عندئذ مساعداً لنشاط الافكار وحركة المشاعر وتهذيب النفس وتكوين الآراء وتطورها ..

 ان الاداراك العميق من قبل الفنان المؤدي للمقام العراقي او للتراث المديني عموماً باعتباره تراثاً متطوراً ذا نشاط وحركة لا تعرفان الكلل ، مفيد للغاية لكي نحصل في نهاية الامر على فنان مقتدر على الابداع الفعلي في عملية الاداء .. ومما يبعث على السرور ، الاهتمام المتزايد من قبل أجهزة الدولة الاعلامية على مستقبل المقام العراقي ، فالبرامج التلفزيوينة تبث أكثر من برنامج يخص التراث الموسيقي ، والصحافة تنشر البحوث والمقالات والدوائر الرسمية تقيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمهرجانات .

ولكن نعود الى استغرابنا ، ان البحوث التي قدمت فيها ، تفتقد معظمها الى الدقة العلمية في طرح الآراء حول تراثنا الغنائي العريق المقام العراقي ، وما يكتنفه من مناقشات وصراعات فكرية وجمالية بين المحافظين من جهة والمجددين من جهة اخرى .. لقد أزفت الساعة التي ينبغي علينا أن نؤسس آرائنا وافكارنا على مفاهيم دقيقة وعلى اسس علمية ، محاولين الابتعاد عن الدوران في فلك التجارب الامبريقية التي ما انفكت تنهك مصداقية تأثير المقام العراقي في الجماهير عموماً في الوقت الراهن ، والتي ما زالت تعيد وتكرر ضاربة عرض الحائط أي تأثير للحضارة التي نعيشها في هذا الزمن السريع .

ان العملية الادائية المقامية تعتمد في تحقيقها على موهبة المؤدي الصوتية ان كان مغنياً او العزفية ان كان عازفاً ، في الدرجة الاولى ، ومن ثم افكاره وثقافته الفنية والموسيقية وفهمه لوحدة العمل المطلوب لتحقيق هذه الغاية .. وبها ينعكس هذا الاداء الناجح على مستوى فكر وثقافة وموهبة الفنان نفسه .. وان الفنان الذي لا يمتلك هذه المقومات الى حد ما او لا يهتم بهذه المقومات فان اداءه يكون بائس الصور والافكار وجمالية التعبير ، شأنه في ذلك شأن الذي يعتمد فقط على احاسيسه العفوية … لذلك فان دراسة وتحليل اساليب الاداء الغنائية الناجحة لمؤدين ناجحين ، يفضي بنا الى فهم جديد ودقيق وامين للصور والافكار وجماليات التعبير ، وهي المفتاح لنتاجات ادائية سليمة ..

كما قلت ، في الاعوام الاخيرة من القرن العشرين ، إكتسب المقام العراقي اهتماماً جيداً من قبل وسائل الاعلام .. ومن ثم تعدد التجارب وكثافة اقامة الحفلات التي تندرج ضمن محاولة لتحقيق وحدة الشكل والمضمون في ادائه .. لأن النقاد والمتتبعين لهذا الشأن وان اختلفوا في الكثير من آرائهم ، إلا أنهم متفقون على تحقيق هذه الغاية ، ان ادركت علمياً او ادركت حسياً بالفطرة .. والتي من شأنها تفيد اغراض المعاصرة وجمالياتها المطلوبة لواقع التعبير الحالي المعاصر .. ولكنني بالرغم من كل ذلك اشعر بالقلق حول مصير التطور الادائي للمقام العراقي الذي لا يزال غارقاً في اساليبه المتخلفة وعيوبه الكثيرة الذي درج على الاخذ بها بكل نواحي الاداء .. التي تفصل بين ثقافة المؤدي وتصويره للمعنى ضارباً عرض الحائط الاهداف الاستاتيكية المتكاملة والمطلوبة ، مع الاعتراف بوجود القلة القليلة من المحاولات الجادة لتنمية الناحية الفنية والاستاتيكية للاداء المقامي


(*)  عرفت  اسم شاعر هذه القصيدة من الصديق العزيز الاديب عدنان الامين.