المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
21/09/2011 06:00 AM GMT
كان بيت جدي ( حيث ولدت وكنت أعيش حتى المرحلة الجامعية ) يقع في منطقة راغبة خاتون في العاصمة بغداد وفي نفس الشارع الذي يقع فيه بيت جدى كان بيت الاستاذ علي الامام الذي كان يعيش فيه مع والديه وشقيقتيه وعندما بدأت اسعى لدراسة الموسيقى كان الاستاذ علي نجما ً لامعا ً ومعروفا ً على مستوى العراق كله من خلال عزف العود المنفرد التي كانت تبثـُه القناة الوحيدة للتلفزيون العراقي بالأسود والأبيض، وكنت اشاهده وانا العب الكرة مع أقراني في شارعنا ذاك وهو يحمل عوده احيانا او وهو يذهب لعمله أنيقا في ملبسه هادئا في مشيته مثيرا ً إعجاب واحترام كل سكان ذلك الشارع ، وعلى الرغم من النظرة الاجتماعية الضيقة والمتحفظة تجاه الموسيقى والعاملين بها إلا أن الجميع كان يحب ويقدر ويحترم الأستاذ علي الامام.
وتشاء الصُدف ان عمي الصغير (محسن) كان يهوى الموسيقى أيضا وبحكم عمره القريب من عُمر الاستاذ علي والاستاذ صبحي فياض ( وهو عازف كمان كان يعيش أيضا ً في نفس شارعنا) فقد كان الثلاثة يجتمعون احيانا في غرفة الضيوف في بيت جدي ويتمرنون على العزف وكانوا احيانا ً يتركون آلاتهم ويذهبون لمحل البقالة القريب ولا زلت أذكر اول مرة أرى فيها عوداً حقيقيا أمامي في غرفة الضيوف في بيت جدي وكان عود الاستاذ علي الامام.
وفي تلك المرحلة كان الاستاذ علي يقدم على العود لوناً جديداً في العزف على العود شد إليه الأسماع وسلط عليه الأضواء وهو لون يختلف عما كان يقدمه الأساتذه جميل بشير أو سلمان شكر أو روحي الخماش . ومع إصراري والحاحي الشديد على دراسة الموسيقى قامت والدتي برهن سوار ذهبي لديها بمبلغ ثلاثة دنانير واعطتها لي لكي أتمكن من دفع القسط الشهري الاول لدراسة الموسيقى في معهد الاستاذ (جمال ياملكي) الذي كان في شارع السعدون فوق سينما السندباد وبعد مضي الشهر الاول وعلى الرغم من تشجيع الاستاذ جمال ياملكي لي الا إن وضعنا المادي وخشيتي من أن يعرف والدي بدراستي للموسيقى لم يكن يسمح لي بمواصلة الدراسة بعد انتهاء الشهر الوحيد الذي درست فيه بمعدل ثلاث مرات في الاسبوع . ولم تجد والدتي حلا ً امام نظرات السرحان وحالة السكون والشرود الذهني التي بدأت تلاحظها علي سوى ان تلجأ الى صديقتها وجارتها والدة الاستاذ علي لكي تسألها النصيحة واقترحت والدة الاستاذ علي عليها ان تُكلم الاستاذ علي عني وحيث ان الاستاذ علي كان في ذلك الوقت يعمل مُدربا في مركز شباب الأعظمية فقد اقترح على والدتي ان أذهب واقابله في المركز الذي كان يبعد بضع كيلومترات عن سكننا وبالفعل وبعد تردد نابع من خجل وعلى استحياء ذهبت لمقابلة الاستاذ علي الذي لم اكن قد تحدثت إليه من قبل وبإبتسامه لطيفة استقبلني واستغرب رغبتي بدراسة الموسيقى وهو الذي يشاهدني يومياً ألعب الكرة مع أقراني في شارعنا ذاك وبعد ان اخبرته بما درسته مع الاستاذ جمال ياملكي وأريته كراستي عرض علي ان ادرس معه ضمن دورة الموسيقى التي يقيمها مركز شباب الأعظمية وبالفعل بدأت اذهب اليه في العطلة الصيفية قبل دخولي الجامعة وبدأ يعلمني مبادئ النظريات والعزف على العود واستمع اليه مبهورا بإسلوب عزفه وأدائه الجميل.
وشاءت الظروف ان أداوم في كلية العلوم جامعة بغداد- قسم الرياضيات وان يكون مقر الكلية مقابل مركز شباب الأعظمية ولايفصل بينهما سوى( ساحة عنتر) وعلى هذا الأساس كنت اذهب الى الكلية صباحا وبعد نهاية محاضراتي كنت اذهب لدراسة العود مع الاستاذ علي الذي كان في ذلك الوقت في الصف النهائي من دراسته في معهد الفنون الجميلة. وتوطدت علاقة الاحترام والصداقة بيني وبين الاستاذ علي واصبحنا نلتقي يوميا وأذهب أحيانا الى بيتهم القريب من بيت جدي وكان والده ووالدته يرحمهما الله يرحبون بي جدا ويحثونني دائما ً على زيارتهم ومع ملاحظته تقدم مستواي فقد اخبرني بضرورة ان امتلك آلة عود خاصة بي وفي يوم اخبرني الاستاذ علي ان هنالك عود جيد لدى الفنان (سعيد العجلاوي) ويرغب في بيعه وبعد معاناة طويلة استطعت ان اقنع والدي رحمه الله ان يدفع لي مبلغ (11) دينار كانت ثمن اول آلة عود اشتريها وذهبنا أنا والاستاذ علي وجلبناه من الاستاذ سعيد وإستعملته سنين طويلة ولازال لدي في بيتي في بغداد. ولازلت أذكر جلساتي الجميلة مع الاستاذ علي في حديقة بيتهم وهو يعزف لي نماذج مختلفة من التقاسيم والقطع التركية والعربية والعراقية وعلى صوت العصافير التي كانت تزقزق في حديقة دارهم كان أحيانا يسمعني على جهاز الگرامافون نماذج موسيقية عالمية مسجلة على اسطوانات وفي أحد المرات استمعت الى موسيقى (Czardas) لأول مرة في حياتي في بيتهم (ذكرت تفاصيل ذلك في الرسالة الإخبارية رقم (3)- قصتي مع چارداش) وكانت سببا ً إتخذت بموجبه منهجاً جديداً في العود لكي أطور إمكاناتي الأدائية والمعرفية وقد كافحت كثيرا ً لكي أسجلها وأقدمها بعد سنين طويلة مع أوركسترا (SAKO) السمفونية ويمكن مشاهدتي أقدمها مع الأوركسترا من خلال الرابط التالي:
وفي العطلة الصيفية كنا نلتقي يومياً حيث كان يزورني أحيانا في بيتنا أوازروه في بيتهم وأحياناً كان يأتي الي ونذهب مشياً على الأقدام عدة كيلومترات هي المسافة بين سكننا ومركز شباب الأعظمية حيث كان يعمل وعلى الرغم من حرارة صيف بغداد التي كانت تتجاوز ال (50° مئوية) احيانا إلا إنني كنت منشغلا ً بالاستماع الى حكايات الاستاذ علي عن الموسيقى والعاملين في مجالها واحيانا كنت اوصله الى عمله (مشيا ً كما أسلفت ) ومن ثم أعود الى بيتي . وفي يوم شاهدت إعلانا في تلفزيون بغداد يعلن عن بدء التقديم للدراسة في معهد الدراسات النغمية العراقي ( الذي اصبحت فيما بعد عميداً له..!) واستشرت الاستاذ علي الذي شجعني على التقديم له وقال لي ان المدرس الاول للعود في المعهد هو الاستاذ ( روحي الخماش ) وإنني سأستفيد منه كثيرا وبالفعل وبتشجيع من الاستاذ علي تقدمت للقبول في معهد الدراسات. ومع قبولي في الدراسة في المعهد ومع انشغالي في دراستين في وقت واحد ( كلية العلوم صباحاً ومعهد الدراسات مساءً) لم يعد هنالك مجال أمامي لمقابلة الاستاذ علي إلا في العطل الا اننا بقينا على تواصل. وعندما اصبحت في الصف الرابع من دراستي في معهد الدراسات تم تعيين الاستاذ علي مدرسا للعود للصفوف الاولى وبذلك اصبحنا نلتقي او أزوره في صفه وهو مع طلابه. وفي ذلك الوقت كان الاستاذ علي نجما ً من نجوم فرقة التلفزيون العراقي حيث يظهر مع فرقة الموشحات العراقية بقيادة الاستاذ روحي الخماش او يظهر مع عدة مطربين (بالذات مع المطرب فاضل عواد ) ويقدم مقاطع منفردة (solos) او تقاسيم جميلة تشد الانتباه اليه.
وفي العام (1990) عُـينتُ عميدا لمعهد الدراسات النغمية العراقي الذي انتقل مقره من منطقة الوزيرية - حيث درست - الى منطقة السنك في نهاية شارع الرشيد، ومن اوائل القرارات التي اتخذتها تعيين الاستاذ علي أستاذا ً للعود في المعهد وعلى هذا الأساس بدأنا نلتقي يوميا وعلى الرغم من المشاغل العديدة لكلينا فقد كنا نستغل الوقت القليل المتاح قبل بداية الدوام صباحاً فنذهب الى احد المطاعم القريبة في شارع الرشيد لتناول الفطور او نذهب الى احد المقاهي الشعبية لشرب الشاي والحديث عن الموسيقى . وعندما أسستُ ( اوركسترا العود ) في بغداد عام (1993) كان الاستاذ علي اول المدربين الذين انضموا اليها وشاركني مع بقية الزملاء والطلبة في تقديم عدة كونسيرتات في بغداد وبابل والموصل.
وفي عام (1996) أسستُ (ثلاثي العود) وكان متكونا مني ومن الاستاذ علي والاستاذ (باسم حسين) وقدمنا كونسيرتا ً وحيدا ً في بغداد على القاعة الكبرى في فندق شيراتون ضمن سلسلة من العروض الموسيقية الشهرية كنت قد إتفقت على تقديمها مع إدارة القاعة. وفي العام (1998) غادرت العراق ومنذ ذلك الوقت اصبحت وسيلة الاتصال الوحيدة بيني وبين الاستاذ علي هي التلفون حيث غادر الاستاذ علي العراق ايضا ً واستقر في (تونس) كمدرس للعود في (المعهد العالي للموسيقى في سوسة) ولم نلتقي منذ اكثر من (14) عاما ً وكم اتمنى ان تتاح لنا الظروف فنلتقي ثانية بإذن الله تعالى .. وحتى تحقيق هذه الأمنية بإذن الله تعالى اقول لاستاذي الفنان علي الامام لا أعرف كيف اشكرك على مابذلته من جهود لتعليمي وماشاركته من كفاح معي من اجل خدمة العود والموسيقى ولكني استطيع ان ادعو لك بالصحة والموفقية والنجاح وأقول لك (وعلى الرغم من فروق التوقيت والاف الكيلومترات التي تفصل بيننا) انك دائما ً في بالي وأتذكر بكل الحب والتقدير والوفاء لقاءاتنا وكفاحنا وعيشنا في راغبة خاتون ومشينا معا في شوارعها أو ونحن نشتري المرطبات من محل (أبو نوري) أو محل (خضير عباس ) وأتذكر احاديثنا وانا اوصلك الى مركز شباب الأعظمية او ونحن في مقهى في شارع الرشيد واتذكر رنين عودك وانت تعزف لي (جوني گيتار) او(نسي/ نجاة الصغيرة) او (اسپانياجانا) أو (كومپرسيتا ) أو وانت تقسم (تركي) او (خَنـَـبـَاتْ) ونحن معا ً في بيتنا أو بيتكم أو في قاعة الموسيقى في مركز شباب الأعظمية أو بعدها ونحن نتمرن معاً في معهد الدراسات أو على قاعة الرباط أو قاعة المسرح البابلي..
أستاذ علي .. لك مني السلام مع كل الحب والتحية والتقدير .. ****
لمشاهدتنا معاً أنا والأستاذ على الإمام في أول ظهور لأوركسترا العود أمام الجمهور ، يرجى الذهاب إلى الرابط التالي:
لزيارة الموقع:
|