ما زال يقف عند ثلاث محطات في حياته
ما زال فناننا الكبير يوسف العاني يطمح بالكثير ليقدم ابداعاته على الرغم من ظروفه الصحية، لكنه يحاول تعويضها بالمشاركات المتنوعة التي يأتي على رأسها تأمل خشبة المسرح والوقوف امامها او عليها متفرجا على عروضها او تدريباتها، وحين التقيته في عمان لم يكتم اشواقه للعراق وبغداد وكان يرى ان هذا حالة طبيعية لدى الانسان العراقي، وحملني تحياته الى الجميع ومشيرا الى انه سيكون قريبا في بغداد للمشاركة في احتفالات يوم المسرح العالمي، مع يوسف العاني اجرينا حوارا هذا نصه.
* ما نشاطاتك الحالية؟
- اتبنى حاليا النشاط الثقافي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالمسرح العراقي وما يقدمه داخل العراق وخارجه واشارك في النشاط الثقافي لفضاء فرقة المسرح الحر الاردني التي منحتني عضوية شرف، وسأفتتح نشاطها الثقافي بمحاضرة موسعة عن المسرح العراقي، كما انني هيأت بحثا عن السينما العراقية وهيأت فيلم (سعيد افندي) للعرض والمناقشة بعد ذلك، كما انني اتواصا في حضور العروض المسرحية والمشاركة في مناقشاتها وبعضها احضرها خلال (البروفات) وهذه حالة تعويضية الى حد ما تجعلني امارس فن المسرح بشكل مباشر، اما على صعيد الكتابة فلديّ خمسة كتب تحت الطبع وهي: (تقاسيم مسرحية) وهو دراسة لما قدمه المسرح العراقي عبر اعمال فرقة المسرح الفني الحديث حتى نهاية عام 1990 وتركز الدراسة على نشاط الشباب والفرقة والوجه التجريبي في العديد من الاعمال، وسيصدر من الشارقة قريبا، وكتاب (التجربة المسرحية / معايشة وانعكاسات) عن دار العين للنشر في القاهرة وسبق ان طبع في بيروت عام 1979، وهناك كتاب (المسرح حين ترسمه الكلمات) ويضم مجموعة دراسات وبحوث واحاديث تعكس نشاطات وفعاليات مسرحية لترسم وجه مسرحنا العراقي اولا ووجوها من نشاط المسرح العربي عبر مراحل متباينة، وكتاب (عشر مسرحيات من يوسف العاني) يعيد طبعه معهد الفنون الجميلة في دمشق، وكذلك كتاب (استذكارات دمشقية) عن دار كنعان في دمشق والكتاب يستعيد احداثا مررت بها منذ عام 1945 حين دخلت دمشق اول مرة وحتى عام 2006 واتناول فيه الاحداث التي توالت سواء في المسرح او في الحياة الاجتماعية والسياسية بين دمشق وبغداد.
* هل تتابع العروض المسرحية العراقية؟
- اتابع التي تأتي الى عمان والتي تذهب الى دمشق، استقبلها بفرح واتابع ما تعرضه واشارك بتقييمها مع الفرقة ذاتها واعضائها وتظل بالنسبة لي نشاطا ايجابيا رغم وجود سلبيات ليست من العمق بحيث تسيء الى المستوى المطلوب منهم.
* اغلب ما يقدم الان من اعمال ضمن التجريب، ما رأيك بهذا؟
- انا اعتقد ان هناك سوء فهم في التجريب المراد في مسرحنا العراقي لانه اي المسرح العراقي قد مارس التجريب دون ادعاء منذ زمن بعيد وما زال ناسه معروفين في المسرح العربي كله واذكر على سبيل المثال منهم لا الحصر: ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد وقاسم محمد، لذلك تأتي بعض المحاولات التجريبية للشباب قفزة غير مدروسة تسقط اصحابها في هوة الجهل بالتجريبية الحقة، مع ذلك هناك محاولات جادة وجيدة آمل ان تأخذ طريقها في خط التجريب الصحيح.
* ما الذي تفعله الان حين تقف امام خشبة مسرح؟
- وقفت ذات مرة امام المسرح الاردني عندما كرمتني فرقة المسرح الحر، وحينما وقفت على الخشبة وعلت الموسيقى لم اجد نفسي الا وانا ارقص الدبكة العربية وكأن عمري (25) عاما، مجرد ان مست قدمي الخشبة انتابني فرح عارم بحيث لم يكن امامي الا ان اعبر عن ذلك الفرح بالرقص الشعبي المبدع، فكيف اذن ان وقفت ممثلا؟!!
* الا ينتابك البكاء ذات مرة وانت تقف امام الخشبة؟
- طالما بكيت كثيرا، لان كل ابداع اراه يتجسد على هذه الخشبة من اية فرقة مسرحية كانت اشعر انها مني، اعني من فرقة مسرح الفن الحديث والمسرح العراقي كله، ويتمثل لي ان هذا الابداع مازال عميقا.. عميقا فيه، وانه وانا انتظر ان تكون الفرصة مواتية ليأخذ المسرح العراقي موقعه من الامان والاطمئنان ليعود كما كان احتفالا وفرحا وسعادة لا تكدرها حالات طارئة واليمة شاعت في عراقنا كله وليس في مسرحه فقط.
* والاعمال الدرامية التلفزيونية.. هل تابعتها وما رأيك فيها؟
- لم اتابعها كلها بالطبع، وفي اغلب الاحيان اشاهد عدة حلقات منها واخرج برأي لنفسي فقط، لانني اعرف ان اكثر الذين يعملون في هذه المسلسلات، وقد اعجبني بعضها مثلما لم يعجبني البعض الاخر الذي يمثل الاغلبية منها، وكنت اتمنى ان تكون بمستوى افضل لان القائمين عليها والمشاركين فيها يحملون هذا المستوى الذي اعرفه عنهم.
* ما الذي تحتاجه الدراما العراقية لكي تنهض؟
- هي ليست قضية نهوض، لان الدراما العراقية لها مستواها وقدمت نماذج نفتخر بها ونعتز، لكن العجالة في تناول مواضيع تتطلب التأمل والتأني والدرس العميق لها توقع في تقديري هذه المسلسلات في مطبات وان تبدو صغيرة او بسيطة لكنها مهمة في النتيجة، واعني النتيجة التي تسيء الى القائمين بها سواء تمثيلا او اخراجا، لكن هذا لايعني ان هذه المسلسلات وغيرها قد وصلت بالدراما التلفزيونية الى مطب خطير بل العكس هو الاصح، ان هذه الحالات من الممكن تجاوزها في حالة دراسة ونقد هذه المسلسلات نقدا بناء وحرصا على مستوى المسلسلة العراقية التي تكحلت عيوننا بها في مختلف الظروف التي مر بها الفن العراقي.
* ما اكثر شيء اثارك في المشهد الثقافي العراقي خلال المدة الاخيرة؟
- لقد سعدت بالمحاولة المبدعة والاصيلة للفن العراقي متمثلا في الشباب من فنانينا التشكيليين الذين جمعوا انقاضا واشياء من كل ما تخرب، من اماكن وابنية في بغداد وغيرها ليصنعوا منه لوحات ونصب تشكيلية في بغداد، والثانية انني شاهدت عدة معرض لفنانينا التشكيليين روادا وشبابا في بغداد ومدن اخرى خارج العراق من هولندا الى عمان، والثالثة انني استمعت لفرقة منير بشير الموسيقية وهي تعزف مقطوعاتها بروادها وشبابها، بذلك العزف الاصيل والمبدع، فما كان مني الا ان بعثت لهم بتحياتي وسعادتي بهم ولهم.
* بصراحة.. اي شيء ما زال في نفسك ولم تحققه؟
- انا حققت الكثير.. الكثير مما كنت اريد، لكن الا في الحالة حينما تأخذ عدم القدرة، لا بسببي انا وانما بسبب الحالة نفسها التي تثبط الكثير.. الكثير من القدرات المبدعة في الفن العراقي كله بمسرحه بصورة خاصة، فأن ذلك يعيق بل يلغي احيانا التفكير في ان احققها لان السنوات تسير بنا ونحن مقيدون بومن ان انتهى فأن ذلك يعني ان الفنان توقفت حياته، وهذا يؤلمني كثيرا ويجعلني افكر بسنوات استعيرها من خيالي واحلامي التي لم تتوقف بعد.
* لو طلبت منك ان تحدد ثلاث محطات مهمة في حياته فما هي؟
- اقولها بعجالة واختصار: المحطة الاولى: وقوفي على خشبة مسرح لاول مرة في حياتي، والثانية: تقديمي لمسرحية (جحا والحمامة) في موسكو عام 1957لتمثل اول محاولة للمسرح العربي الشاب الذي يخترق كل المسافات والمساحات ويقدم لاول مرة مسرحية تنتمي الى مسرح (البانتومايم)، والمحطة الثالثة: عرض فيلم (سعيد افندي) سنة 1957 الذي ما زال ليس بتقديري انا وانما بتقدير النقاد العرب وغير العرب افضل فيلم عراقي قدم الى حد الان، وما زلت انتظر محطة رابعة آتية.