لأول مرة ولشخصية غير إيطالية، جائزة برونزية وقاعة باسمه.. كامل شياع

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
05/09/2009 06:00 AM
GMT



ميسينا(صقلية)في بادرة تعد الأولى من نوعها تقدم لشخصية غير إيطالية، منحت مؤسسة هورتشينوس أوركا الثقافية والعلمية الباحث والكاتب كامل شياع، مستشار وزارة الثقافة الذي أغتيل في 23 آب/ أغسطس 2008، جائزتها البرونزية وإطلاق اسمه على إحدى القاعات المتعددة الاستعمال، وتخصيص فقرة له بالكامل ضمن مهرجان "بحر السينما العربية". وتمنح هذه الجائزة في العادة الى شخصية فنية او اعتبارية إيطالية، إذ سبق وان ذهبت الى مؤسسة السينمائي والشاعر باولو بازوليني والى الأخوين تافياني. وجاء في بيان مؤسسة هورتشينوس أوركا الثقافية من ان "كامل شياع، وتقديراً ووفاء لذكراه، قد لعب دوراً بناء في الدفاع عن القيم الديمقراطية والثقافية في بلده العراق،   

وتشجيعه للغة الحوار والتسامح ضد التعصب الديني". ويأتي هذا التكريم بعد ان تعرفت مؤسسة هورتشينوس أوركا عن قرب على شخصية كامل شياع عند زيارته مدينة ميسينا في العام 2007، ولما تركه من أثر كبير في نفوس من التقاه، ومساهمته الفعالة في نشاطات دورة "الانسان، المواطن، الحدود". إذ يذكر مسؤولو تلك المؤسسة فكرة مشروعه الطموح "ولدوا ليقرأوا"، والذي كان من المفترض ان تستفيد منه مدينة الثورة، ويتلخص بطبع كتب علمية وثقافية وبلغة مبسطة تعنى بشؤون الثقافة والبيئة والطاقة والمناخ والزراعة، وبكثير من الفخر لكنه توقف باغتياله.
واشتملت فقرة التكريم على عرض ثلاثة أشرطة فيديوية منوعة في تقنياتها وأجناسها أنجزها أصدقاء كامل من الفنانين المقيمين في إيطاليا. إذ أهدى الفنان علي عساف شريطه "أنا هي..أنا هو" لكامل، وفيه متابعة لصعود نعرات الهويات الطائفية والأقلوية المتصارعة بُعيد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نصب الدكتاتور.
 
 ومثله قدم الفنان الكردي آزاد نانه كلي شريطه التركيبي "عالم جميل"، عرض في بينالة فينسيا الأخيرة، مقاربته الفنية لفكرة الهجرات التي أبتدأت في القرن التاسع عشر بأرقام بسيطة لتتضاعف على مدى السنوات لتعكس ضخامة الحالة، وذلك عبر مزجه لمفهومي الزمن والتاريخ. فيما عرض الناقد السينمائي عرفان رشيد شريطه التوثيقي "كامل"، وفيه نصوص توثيقية بالصوت والصورة لمداخلة طويلة أحتضنتها مدينة ميسينا عن دور الثقافة ولغة الحوار والتسامح كان كامل قد ساهم فيها من قبل. وتبعت العروض ندوة قصيرة قدم لها عرفان رشيد المدير الفني للمهرجان، وتحدث فيها الشاعر العراقي فاضل السلطاني عن علاقته بكامل منذ بداية عقد الثمانينيات في الجزائر، وذكر فيها خصلته النادرة "في إبقاء مسافة بينه وبين صراعات المثقفين وأختلاف وجهات نظرهم".

وتسلم بعدها شقيقه، وكاتب هذه السطور نيابة عن عائلته، جائزة هورتشينوس أوركا من مديرها غيتانو غينتو، والتي شكر فيها القائمين على هذه التظاهرة والجمهور قائلاً " بان هذه الجائزة ستظل حية في ذاكرتي وذاكرة محبي كامل وممن عرفه في خارج العراق وداخله. انها شهادة وفاء وتقدير عاليين لروح مثقف عراقي متنور دفع حياته ثمناً لحلم ورهان فكري وثقافي متسامح ومنفتح على الآخر وفي بلد مضطرب يئن من إرث دكتاتورية ثقيل مثل العراق". وأضاف "لقد ترك كامل هرطقات الفلسفة لدارسيها وهواتها، ونبذ الكتابة الصحافية الى محترفيها، وانغمر عملياً في إقتفاء دور المثقف العضوي في اختيار الدور والدرب". وأردف "أتطلع الى شعار مهرجانكم الضارب على ثنائية الحقيقي، المزيف، وأقول كأنكم أخترتم الحقيقي... ان أختياركم لكامل وضمه الى قائمة المكرمين من القامات الإيطالية في مختلف ميادين الإبداع، ولأول مرة لإسم عربي، إنما يدل على عرفان كبير لدوره، ورسالة تضامن مع الأصوات الحرة الداعية الى بناء عالم خال من العنف والتفرقة...سأنقل خبر تكريمكم الى عائلتي وأصدقاء كامل أينما كانوا وأقول لهم ان دمه لم يذهب سدى، فقد أحتفي به وكرم وصار له مزار يحمل أسمه وتسهر على إبقائه حياً أياد أمينة".
"بحر السينما العربية"

فيما عزا عرفان رشيد، المدير الفني لفقرة "بحر السينما العربية"، عند سؤاله عن أسباب شحة الأفلام الروائية المعروضة والى تقليص عدد أيام المهرجان من سبعة أيام الى ثلاثة الى ان "الأزمة المالية العالمية وضعف التخصيصات المرصودة لمثل هذه التظاهرة، إنعكس بشكل واضح على فقرات البرنامج". أما الأفلام التي وقع عليها الاختيار فقد كانت شريط "أيام الضجر" للسوري عبدالطيف عبدالحميد، والذي جال على أكثر من مهرجان، وفيه تهكم مر يعود بنا الى زمن الوحدة المصرية-السورية في العام 1958، وصعود نجم الزعيم المصري جمال عبدالناصر. وعبر المساعد مصطفى، المتأثر بحماسة الخطاب القومي ورطانته، الذي يجد نفسه في حالة انذار دائم لمواجهة العدو الرابض خلف الجبهة. ويذكر ان الجمهور الصقلي، قد أستقبل هذا الفيلم بالكثير من الحماس والتصفيق لما أحتواه من روح الفكاهة التي عرف مخرجه كيف يوظفها. والى جانبه عرض شريط "هل تذكر عادل" للمغربي محمد زين الدين، عن شاب اسمه عادل يقرر الهجرة من مدينة الدار البيضاء الى مدينة بولونيا الإيطالية والعيش مع أخيه، لكنه يقع ضحية طبيب إيطالي أسلم في احد الجوامع.

في حين جاءت الأفلام القصيرة والوثائقية لتقتفي حالات بعينها، كما في شريط "شروق وغروب" للسعودي محمد الظاهري، ومن خلال مكاشفة سينمائية جريئة تقلب صورة بلده رأساً على عقب. إذ يدعو الظاهري مشاهده، وبالكثير من التأني والبساطة الى كشف المستور في حياة عائلة على مدى نهار يبدأ بشروق الشمس وينتهى بغروبها. ولكونه يضرب في صميم المجتمع السعودي وصورته المسلعة القائمة على الثراء، فقد مزج مخرجه عدة قضايا في حالة واحدة طرحها بالكثير من الصراحة.
 
 وعبر متابعة يوم عادي في حياة صبي يسكن مع عائلته في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض، ويتمثل بروتين ممل، يبدأ من البيت ويمر في المدرسة، وفيها دروس الإهانة والترهيب. وينتقل الى فضاء الشارع حيث يعمل الصبي كبائع متجول في أوقات فراغه ووقوعه فريسة اغتصاب وبالقرب من عجلة "المطاوعين" ذات الدفع الرفاعي، والتي تلقي القبض عليه. ليترك لنا المخرج توقع ما سيحدث له على أيدي ثلة من الملتحين وذوي الأجسام المترهلة واللحى الطويلة. شريط الظاهري وهو العمل الأول لمخرجه واعد ومهم، فان حضرت الطفولة في تفاصيله بقوة وعلى شكل يبلغ ذروته بالإغتصاب، فانه يذهب الى مناطق أخرى تطاول نظام التعليم والمؤسسة الدينية والحالة الاجتماعية العامة في بلده.

فيما قدم المخرج الكردي السوري مانو خليل، مقيم في مدينة بيرن السويسرية، شريطه "زنزانتي بيتي"(33 دقيقة)، وفيه ينقلنا الى أجواء سجن صدامي على مشارف مدينة دهوك العراقية، والذي تحول الى سكن لعدد من العوائل الكردية بعد نزوحها من قراها بسبب تهديدات الجيش العراقي لها في العام 1991. يوثق المخرج الحياة اليومية لهذه العوائل، وعبر الاستماع الى حكايات وعذابات هؤلاء، ومن ثم ترك لكاميرته حرية تصوير غرف النوم والمطابخ المشتركة والأوساخ المتراكمة في مجاري المياه والمزابل.
 
 وكأن لسان حال هؤلاء يقول، أين سلطات كردستان التي بسطت نفوذها منذ ذلك العام وعززته بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003؟ نجح المخرج مانو في تسليط الضوء على قضية حيوية تهم أبناء جلدته من الناس العاديين، والذين هم في الغالب الخاسر الأكبر في أوقات الحروب. وعلى الرغم من ان مانو لم يخطط لمشروع شريطه، بل حضر موضوعه بقوة حين شرع المخرج في تصوير فيلمه الذي يقتفي جريمة الأنفال التي أرتكبها نظام صدام بحق الكرد، فانه تحمس لفكرته وقرر المضي في التصوير وتمكن من الحصول على دعم مالي من مؤسسات وحكومات أوربية. وعند سؤاله، هل حصل على دعم مالي من حكومة كردستان، أجاب المخرج بانه لم يحصل على أي دعم مالي من حكومة كردستان أبداً. ولكن الأخبار السارة، هي تلك التي اتخذتها السلطات الكردية في كردستان بالوعد والتحرك السريع لحل هذه القضية الانسانية والاجتماعية.