المقاله تحت باب محور النقد في
03/06/2012 06:00 AM GMT
برحيله في العاصمة الاردنية، قبل ايام، يكون عازف العود والكمان والمؤلف العراقي غانم حداد، قد طوى صفحته في كتاب الموسيقى العربية المعاصرة، لكنه طبعها بعلامات بارزة وعميقة هي تمتد لمرحلة النصف الاول من القرن الماضي التي عاشت معها الموسيقى العربية اولى خطوات الحداثة. وان يموت فنان عراقي في مكان غير بلاده، كما هي حال حداد الذي رحل عن 87 عاما، فانه لم يعد امرا لافتا لفرط ما تكرر في العقود الاخيرة، بل صار مشهد موت اهل الفن والادب والعلوم والمعارف من العراقيين خارج بلادهم جزءا من "فولكلور" محنة بلادهم المستمرة فصولا من الخسائر الفادحة. وكان صاحب الاعمال الموسيقية المهمة في اشكال نغمية عربية كلاسيكية مثل "السماعي"، استقر في العاصمة الاردنية منذ ان صارت الحروب والحصارات قرينة بمدينته التي احب: بغداد التي ولد فيها العام 1925 واكمل فيها دراسته الموسيقية في معهد الفنون الجميلة، يوم صار ورشة الحداثة الفنية في العراق موسيقيا ودراميا وتشكيليا.
الراحل غانم حداد
كان الرحل احد اربعة احدثوا انعطافة عميقة في مسار الموسيقى العراقية نحو حداثة لا تتنكر لاصولها العربية والشرقية عموما، فاصبح الى جانب جميل ومنير بشير وسلمان شكر، من اركان "مدرسة العود العراقية". ومثلما كان جميل بشير عازف كمان مقتدرا فضلا عن براعته على العود عزفا وتأليفا، كان الرحل حداد كذلك، فرسخ موقعه ضمن الفرقة الموسيقية لـ"دار الأذاعة العراقية" وقدم لها العديد من مؤلفاته الموسيقية، وعيّن مدرساً للموسيقى في معهد الفنون الجميلة سنة 1956 لآلة العود والكمان الشرقي، ورئيسا للقسم الموسيقي والأنشاد في المعهد ذاته. وفي حين كان غانم ايليا حداد، احد اربعة في ريادة "مدرسة العود العراقية" فانه احد خمسة شكلوا فرقة موسيقية صغيرة (تقارب شكل موسيقى الصالة الغربي المعروف)، هي فرقة "خماسي الفنون الجميلة" التي يكفيها فخرا انها لوتمت مراجعة ما قدمته، لظهر انها حفظت اشكالا موسيقية موروثة وقدمتها معاصرة دون الاخلال بعمقها واصالتها، مثلما قدمت مؤلفات معاصرة اجتهد اعضاؤها البارعون في تأليفها : غانم حداد(كمان)، سالم حسين الامير(قانون)، روحي الخماش(عود)، حسين قدوري (تشيللو) وحسين عبدالله(رق). واذا كانت هناك معزوفة عراقية معاصرة تحضر في العشرات من الامسيات التي تحييها اسماء موسيقية عراقية في داخل البلاد و خارجها، فهي ستكون قطعا، معزوفة "سولاف " التي ستظل درسا عميقا في "التصوير الموسيقي" اذ هي عنت بقراءة نغمية للمكان (مصيف باسم المقطوعة ذاته، في منطقة كردستان) منفتحة على تأثيرات انسانية عبر الاتصال مع روحية نغمية كردية. وقد تكون تلك المقطوعة "الايقونة" سببا دفع الراحل لتسمية ابنته عازفة البيانو "سلافة" التي تحقق في وجودها بالغربة اكثر من معلم نجاح، مثلما حققته شقيقتها شهلاء، وشقيقها عطيل، عازف البيانو و استاذ الموسيقى في كندا، وشقيقها أنس العازف والموزع الموسيقي.
|