يهدف الشعار الاعلاني الى البيع فالحظوة وعلامة الجودة لا تشكلان سوى وسائل غير مباشرة لعملية البيع.. وغالباً ما تكون اللافتة من هذا النوع ملونة بالوان زاهية وتكتب بخط كبير يحرص مصمموها على وضع”الماركة “ او السلعة المراد الاعلان عنها.
لقد تفنن الخطاطون والفنانون في طرائق العرض الخاصة باللافتة لجعلها منافساً سهلاً للوسائل الاعلانية الاخرى نتيجة للمرونة التي تتمتع بها وسهولة التركيب والتكاليف الاقتصادية والبسيطة ”الجدران جميعها مشاعة “ التي تتيح لهذا النوع الاعلاني: التنوع والسرعة في ايصال الخطاب. لقد قام احد المتاجر الخاصة ببيع الملابس بتعليق لافتة كبيرة على الشارع تمر من تحتها السيارات والناس والغريب في الامر ان اللافتة ”خالية من اية كتابة “ او اعلان. وهي بلونها الاحمر وثقوبها التي تسمح للهواء بالمرور تقع على كل مقومات اللافتة المكتوبة... لذلك تساءل الناس على معنى هذه اللافتة!... وفي اليوم التالي انزلت وعلقت في مكانها وبالسياق ذاته وبالحجم عينه لافته اخرى صفراء... ومن غير كتابة ايضاً في اليوم الثالث بدلت بخضراء... هكذا قامت هذه الحركة كلها على فكرة سيكولوجية لفتح افق الانتظار وحب الاستفهام … الدائم عند البشر.
في اليوم الاخير علقت لافتة تقول : طوال هذه الايام نعلق اللافتات بلا كتابة بسبب عدم وصول بضاعتنا الجديدة... اما اليوم فنقول ان البضاعة لم تصل بعد، لكنها ستصل يوم الاثنين... زورونا وستشاهدونها بانفسكم...والحال فمن الطبيعي ان تكون الامكنة الخاصة باللافتات الاعلانية هي واجهات المحلات والشوارع ومواقف الباصات العامة والاسواق... وهذا النوع من اللافتات يذيل باسم المؤسسة، المحال والشركات او توضع العلامة الخاصة”الماركة “ للاشارة الى مصنع او منتج معين... هناك اتجاهات معروفة لها سياق محدد في صياغة اللافتات الاعلانية... فالقسم المنظم منها يحاول ان يحدد لون اللافتة باقترانه باللون السائد للشركة... او الذي يقارب الوان”الماركة “ الخاصة بها... فتعطي المشاهد نوعاً من الاحالة الى المصدر كتلك التي تعلن عن بيع”بيبسي كولا “ تكون باللونين الاحمر والازرق، اما اللون الاصفر المائل الى البرتقالي فلكل انواع الانشاءات والطرق والمكائن الثقيلة … والازرق والابيض للاعلان عن رحلات الطيران والتذاكر... الخ... اما اللافتات البسيطة فتحاكي الذوق السائد وغالباً ما تكتب بالفرشاة والاصباغ المائية”البنت لايت “... ويكون اللون المختار عشوائياً لما هو متوفر من قماش،... ويعتمد اخراجها على خبرة الخطاط او الفنان الذي يعمل على انجازها على وفق السياق العام. بعد سقوط الصنم الواحد غطت اللافتات الاعلانية معظم مدن العراق وهي تقدم صورة جديدة ثقافية المظهر، مخبوءة تحتها حركة اقتصاد من نوع جديد. اذ تميل اللافتات الى تاكيد مضامين تهتم بالسلعي والتخصصي والاستيرادي التجاري وتعلن في الوقت ذاته عن جماعة أو فئة”التجار“ .. وقد يكون هذا الاعلان عن جزء صغير من ظاهرة اوسع... وثقافة تنهض على اغراء التسوق... من امثال:
تعلن محال … عن وصول احدث البضائع العالمية المعروفة “و”زوروا معرضنا... ستجدون ما يناسب كل الاذواق “و”تنزيلات هائلة لموسم الصيف “...
هكذا تكون اللغة او النص وسيطاً لتحقيق غايات اقتصادية، مبنية على خطاب ثقافي عام.
وعليه ضمن مجموع اللافتات وعددها ومركز خطابها يمكن فهم حركة الاقتصاد وحركة التسوق بل فهم ذلك البلد.
2.اللافتات السياسية
اذا كانت اللافتات الاعلانية تخدم قضايا اقتصادية فان السياسية منها ترتبط بالمصالح الجماعية.... او مصالح امة او طبقة او حزب... واذا كان الشعار الاقتصادي يضع الفرد في وضع سلبي فالشعار السياسي يدعو المتلقي الى تبني الشعار والدفاع عنه... ومع ذلك فان هذه الاختلافات ليست جوهرية فالدعاية السياسية تستعمل الدعاية بكثافة، حيث نجد الشعار ذاته يكرر بتنويعات كبيرة، ويضع تحت عباءته ايديولوجيا خاصة.
اللافتات من هذا النوع يعتمد في اخراجها على التضمين الدلالي من خلال الشكل... فاللون يشير الى علم تلك الفئة او الحزب وشعاره... منها الاحمر والاخضر والاصفر...الخ
ان هذا التلوين يستدعي التوقف ومعرفة عدد الوان الاحزاب والفئات والجماعات … فكلما كثرت عنت ، فيما تعنيه، ان مناخاً من الصراعات السياسية يسود في تلك الحقبة الزمنية...”اللافتة “ لغة عصر هي اشارة تحيل الى مرجعيات مختلفة... فتكون امام معادلة طردية بين ظهورها واختفائها... الظهور يعني التعدد والاختفاء يعني التفرد... نواجه اللافتات امامنا مفترضة ديمومتها وامتدادها في الزمان، فكلما وجدت مجموعة بشرية، نفسها امام التهديد او الانحسار ظهرت نصوصها بصيغة جديدة على انها سحرية تستأصل القلق وتستجمع الطاقات، محاولة تجاوز الصيغ والغايات والظروف التي افرزتها، ولتعبر عن الذاكرة المشتركة للمجموعة البشرية التي تستعملها كما تعبر عن ميولها.
لقد ظهرت لافتات كثيرة في العراق... واغلبها سياسية تعبر عن وضعية خاصة لا يعرف المتلقي في كثير من الاحوال مصدرها... فهي متضاربة ومختارة من قبل بعض الفئات والاحزاب... تعكس في جوهرها الاتجاه، الفكر، الهوية، التطرف... حيث تشحذ في مثل هذه الظروف كل الاسلحة الكلامية ويتصرف الافراد على وفق منطق الحوادث بمبادرات ذاتية وتوجيهات تنظيمية وتقدم النصوص من دون تفاصيل ضرورية.
اللافتة اخيراً لغة الايديولوجيا:”لعيون العراق فتح عيونك “ واخرى:”الدستور خيمة العراقيين “... في حين تشير لافتاة اخرى الى:العراق اولاً... ولا للارهاب نعم للبناء... الخ...
ان هذه النصوص وغيرها تقوم على نسق واحد من الناحية الجمالية، كتابة... ودلالة... والاخراج العام الذي يؤدي المهمة الجمالية المصاحبة للوظيفة.
3.اللافتات الاجتماعية
يعد هذا النوع من اللافتات الاكثر شيوعاً، اذ يخدم مصالح الفرد المجهول، ذلك الذي تتحدث عنه الصحف والمجلات والقنوات... ولكنه فرد برغم ذلك لا يتردد الاعلان في خلق وضع تنافسي بينه وبين امثاله... وعليه لا توجد”لافتة “ او لغة مكتوبة على قماش من دون شيء يعلن عن هويتها، انها تشير الى شيء مختلف عن مضمونها الفردي... هذه اللافتات حزمة من الاشارات التي تدل على وضع الافراد... بل وضع المجتمع بأكمله. لافتات تعلن عن المناسبات، الاعياد، التهنئة، الوفاة السفر، النقل، الانشاءات الايجار، البيع، الشراء... السياحة ، التظاهرات والعمل والبطالة... الخ.... من كل ذلك تصبح اللافتات ، صوت الناس المكتوب... يمكن قراءة هذا الصوت من خلال تعدده وارتفاعه والوانه ايضاً... كجزء من نظام سيميائي محدد ، الصراخ والموت للاسود، والاصفر للغز، وللعمل النيلي، وللبطالة الازرق وللسياحة الاخضر وللاحتجاج الاحمر... الخ. طيف لوني يقابله طيف دلالي يمكن للمتلقي عبره ان يقرأ الخطاب السائد كبنية، … ليس المهم ما تقوله اللافتة الواحدة... بل ما يقوله عددها وانتشارها وتلونها.
من هنا يستطيع اي فاحص ان يقرأ من خلال اللافتات في العراق، اي الالوان تسود...
لقد كثرت اللافتات التي تعلق عند العزاء... والموت”والحوادث المؤسفة“... فلبست المدن ثوبها الاسود... واختفت الالوان الاخرى وتراجعت … الا في بعض المناسبات الدينية التي تحمل شعاراتها والوانها الخاصة. وهناك لافتات اخرى نشاهدها في الملاعب الرياضية هي غالباً تعتمد الوان الفرق التي يؤديها الجمهور، ولها عبارات مقتضبة من امثال: الفوز للانيق... او الازرق يلعب... والاخضر القيثارة... الخ.. ان ظاهرة اللافتات باتت تشكل اليوم الاعلان اليومي عن حياتنا افراجاً ومؤسسات وجماعات … بل يمكن القول ان مدننا تلبس ثيابا وتجددها كل يوم حسب السائد... لكن … وايضاً حسب الحدث...
واخيراً فاللافتة كالانسان تعيش وتنمو وتزدهر من اجواء الحرية وتختفي منها تحت ستار العبودية القاتم.