المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
05/08/2008 06:00 AM GMT
بصورة تدريجية، نجحت شبكة «إتش بي أو» في خلق مكانة خاصة لها باعتبارها موطن بعض أكثر البرامج حول الحرب في العراق تميزاً. تنوعت هذه البرامج بين فيلم «بغداد» الوثائقي الذي أنتجته الشبكة عام 2006 واستحوذ على قدر بالغ من الاهتمام وحلقات «المارينز المقاتلين». وقد تمكنت «إتش بي أو» من إطلاع المشاهدين على بعض الأمور بخصوص العراق لم يشاهدوها في مصدر سواها. والآن، يحين دور فيلم «ثانوية بغداد» الوثائقي ولا يتعرض الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه 90 دقيقة، كثيراً للقضايا الكبرى التي تواجه العراق، وإنما يركز اهتمامه على عدد من القصص الإنسانية القصيرة والمؤثرة. ويركز الفيلم على فئة من الشعب العراقي عانت من التجاهل بصورة عامة من قبل الأعمال السابقة التي تناولت الأوضاع بالبلاد، وهي فئة المراهقين. ويدور الفيلم حول أربعة فتية عراقيين يدرسون بالمرحلة الثانوية من التعليم وقضوا عاماً كاملا في تصوير أصدقائهم وأقاربهم وأقرانهم في المدرسة وأنفسهم بكاميرات الفيديو. ويمثل الفيلم الوثائقي في صورته النهائية النسخة المنقحة لحوالي 300 ساعة تصوير. ويتمثل الإطار الزمني للفيلم في العام الدراسي للصبية، وهو العام 2006/2007، والذي اتضح أنه عام بالغ الصعوبة. وفي الوقت الذي كان الطلاب يتلقون فيه دروسهم (داخل مدرسة بدت أشبه بسجن مهجور)، تداعى العالم واحترق فيما وراء جدران مدرستهم، حيث جرت محاكمة «صدام حسين» وتم إعدامه، بينما خيمت على البلاد نذر حرب أهلية وسادت أعمال العنف. وفي استجابة لحالة الفوضى المتفاقمة، نقلت السفن الأميركية 30.000 جندي إضافي إلى العراق. ومن الواضح أيضاً أن مديرا الإنتاج في الفيلم، «إيفان أوماهوني» و«لورا ونتر»، كانا محظوظين في العثور على بعض الأشخاص ممن يتميزون بالقبول، حيث يتسم الفتيان الأربعة ـ «علي» و«حيدر» و«أنمار» و«محمد» ـ بالكياسة والأدب. ورغم أن الأربعة ينتمون إلى عائلات سنية وشيعية ومسيحية وكردية، لم ترد بالفيلم أية إشارة إلى العداءات الطائفية داخل العراق. في الواقع، يكشف الفيلم أن الفتيان الثلاثة يناضلون من أجل ممارسة حياتهم مثل أقرانهم من المراهقين بمختلف أنحاء العالم، حيث يستمعون لموسيقى الراب الأميركية ويلعبون كرة السلة والقدم ويقضون الأمسيات في التنزه. واللافت للانتباه أنه لا توجد أي إشارة في حياتهم أو ربما في الفيلم فقط إلى الفتيات ومشاعر أبطال الفيلم الرومانسية. وتكمن مشكلة الأبطال الكبرى في أنهم يعيشون داخل ما وصفه أحدهم بأنها «أكثر المدن خطورة على وجه الأرض». بصورة عامة، لا يوجد بالفيلم الكثير من اللقطات التي تصور أعمال العنف الدائرة بالعراق، لكن المشاهد يستشعر بالتأكيد بخطورة هذا العنف، حيث تبدو جميع النشاطات التي يقوم بها الصبية، مهما كانت عادية، وكأنها مغامرة مرعبة. على سبيل المثال، زيارة صديق يقطن على بعد بضع مئات من الياردات تنطوي على مخاطرة التعرض لعصابات المختطفين أو نيران القناصة، بينما الذهاب إلى المدرسة يعني المرور عبر العديد من نقاط التفتيش. بل ويتعرض الطلاب في إحدى لقطات الفيلم إلى التفتيش من جانب المدرسين قبل دخولهم إلى قاعة الامتحان، تحسباً لوجود متفجرات. وفي إحدى اللقطات الأخرى يبدو القلق مسيطراً على «أنمار» بسبب عدم اتصال حبيبته (التي لا تظهر قط في الفيلم) به لعدة أيام. وتبدو الكآبة على وجه «أنمار». وبعد فترة يتضح أن قلقه لا ينصب على احتمال أن تكون قد هجرته من أجل شخص آخر، وإنما لخشيته أن تكون تعرضت للقتل أو الاختطاف. وتبقى هذه العوامل الكبرى التي تلقي بظلالها على البلاد بأكملها ظاهرة على امتداد الفيلم، مخلفة تأثيراتها على حياة الصبية بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، مع تداعي الاقتصاد العراقي، يفقد والد «حيدر» وظيفته، ما يخلق أزمة مالية أمام الأسرة بأكملها. كما أن الأقارب من مختلف أنحاء البلاد يلوذون بمنازل بعض الصبية، ما يشكل اختباراً لقدرة تحمل وصبر الجميع. أما «علي» وأسرته فيتخذ مصيرهم الاتجاه المعاكس، حيث يضطرون إلى الفرار من بغداد والعيش لدى بعض أقاربهم في إقليم كردستان الآمن الواقع شمال البلاد، الأمر الذي أصاب «محمد»، أقرب أصدقاء «علي»، بحزن بالغ. أولى صانعو الفيلم جزءا كبيرا منه لـ «محمد»، ويبدو السبب وراء ذلك واضحاً، حيث يتمتع الفتى بابتسامة ساحرة وقدرة أكبر على التعبير عن مختلف الانفعالات العاطفية من بين الأصدقاء الأربعة، بدءا من حزنه الشديد لرحيل «علي» وصولا إلى رعايته الحنونة لأحد الفئران المنزلية التي «تبناها». وبخلاف الحرص على البقاء على قيد الحياة، يتمثل التساؤل الأكبر المهيمن على حياة «محمد» فيما إذا كانت والدته ستتمكن من العثور على والده المختفي منذ فترة بعيدة. وتحتاج الأم لتوقيع الوالد من أجل استخراج أوراق المواطنة لـ«محمد» والتي بدونها لن يتمكن من الالتحاق بالجامعة أو استخراج جواز سفر، ما يعني الفرصة لبناء مستقبل حقيقي. ومع اقتراب الفيلم من نهايته، يسيطر الخوف على الطلاب الأربعة من الإخفاق، ذلك أنه يعني الاضطرار إلى إعادة العام مجدداً. في الواقع، من المحتمل أن يشعر المشاهدون بارتياح كبير تعاطفاً مع الطلاب عند نجاحهم. وتحمل الامتحانات في فيلم «ثانوية بغداد» بعض الأمل، حيث تمكن الصبية بعد نهاية هذا العام المروع من التفكير بشأن المستقبل، بدلاً من الحاضر فحسب. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»
|