المقام وبحور الأنغام تحت المجهر الموسيقي

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
17/09/2009 06:00 AM
GMT



وليد حسن الجابري

 

 إن النقد البناء هو بمثابة وصفة طبية علاجية تساعد على تقويم الهفوات الغير مقصودة ، لذا نرجو من الباحث والخبير حامد السعدي أن يتقبل ملاحظاتنا ، على موضوع كتابه ( المقام وبحور الأنغام ) الصادر عام 2006 م ، وهو دراسة للمقامات العراقية مع نصوصها ومدوناتها مصحوبة بثلاث أقراص ( سي دي ) تحتوي على تطبيقات صوتية عملية كما وقام  الباحث  بشرحها بشكل مبسط وواضح .

يذكر الباحث في عنوان ( كلمة لابد منها ) في صفحة (10) ، الفقرة الثانية قائلا : ( وفي محل السيد سمير تعرفت بالأستاذ عازف الجوزة شعيب إبراهيم وكنت أقصد مجلسه … الخ ) ، الأخطاء الإملائية تكاد تكون غير موجودة إلا في أهم أسم من أعلام المقام وهو الفنان شعوبي إبراهيم ) ، كان يحتاج هذا الخطأ المطبعي إلى ملحق تصحيحي يرفق مع الكتاب ، كذلك نجد في المقدمة المكتوبة من قبل الدكتور نجيب الحبوبي فيها بعض المعلومات الغير دقيقة ، ففي صفحة 15 يقول : ( فكما أسلفنا أن المقام العراقي يستند على أسس الموسيقى والنغم الشرقي وأكثر العلماء والموسيقيين يقرون بأن الأنغام الشرقية الأساسية هي سبعة هي : صبا ، نهاوند ، عجم ، بيات ، سيكاه ، حجاز ، رست ) . وهذه معلومة تحتاج إلى معالجة ، لان السلالم الرئيسية عددها تسعة وليس سبعة فتنقصها سلم ( الكرد و النكريز ) ، وهذا متفق عليه نظريا ، فقط الاختلاف بين وجهات نظر الباحثين بين سلمي النكريز والنواثر ومن منهما الرئيسي .

في الفصل الأول حديث عن مكونات المقام العراقي حيث يعرف المقام قائلا :( أسلوب غنائي وموسيقي خاص بالعراق توارثه العراقيون منذ زمن بعيد …. الخ ) . هذا ما ذكره الباحث السعدي في الصفحة (19) وكان يفترض على الباحث أن ينسب هذا التعريف لفترة  تاريخية لنعرف عمر هذا اللون الغنائي ولأي  فترة من مراحل العراق يرجع حسب المصادر التي يعتمدها ، فيذكر الحاج هاشم الرجب في كتابه ( المقام العراقي ) الصادر عام 1983 في صفحة 64 تعريفه فيقول : ( هو مجموعة أنغام منسجمة مع بعضها له ابتداء ويسمى بالتحرير أو البدو وانتهاء يسمى بالتسليم وما بين التحرير والتسلوم مجموعة من القطع والأوصال والجلسات والميانات والقرارات يرتلها البارع من المغنين دون الخروج على ذلك الانسجام ) ، كما ويذكر الرجب تاريخ المقام في صفحة 62 فيقول : ( أن تاريخ المقام العراقي يعود إلى أكثر من 300 أو 400 سنة   من الوقت الحاضر ) .

أما الفنان شعوبي إبراهيم  يعرف المقام العراقي في كتابه ( دليل الأنغام لطلاب المقام ) الصادر عام 1985 ، في صفحة 7 فيقول : ( هو مؤلفة غنائية له قواعد محدودة لانتقال المغني من نغم إلى آخر ويكون للارتجال الغنائي نصيب فيه ) .

يذكر السعدي بخصوص أجزاء المقام في صفحة (19) فيقول : ( يتكون كل مقام من المقامات من قواعد وأسس نغمية لا تقبل التغيير تمتاز برصانتها وتكامل بنائها العلمي ….. وهذه القواعد الرئيسية للمقامات العراقية وبمثابة ركائز البناء المقامي وهي ، التحرير أو البدوة ، القطع والأوصال ، الجلسة   ، الميانة ، الصيحة ، القرار ، التسليم  ) .

أما الحاج هاشم الرجب يتناول هذا الموضوض في نفس مصدره السابق قائلا : ( أركان المقام العراقي ستة هي ، التحرير أ البدو ، الجلسة ، الميانة ، القرار ، القطع والأوصال ، التسلوم ، وهذه الأركان لا تتوفر في جميع المقامات ومن المقامات ما تحتوي على خمسة أركان ، وأقل ما يجب أن يشتمل عليه المقام العراقي ولا يجوز أقل من ذلك والأركان الثلاثة هي ، التحرير أ البدو ، القطع والأوصال ، التسلوم ) .

الفصل الثاني يشرح السعدي  أنواع  الشعر الذي يغنى في المقام ويقسمه إلى نوعين هما : الشعر الفصيح ، الخاص ببعض المقامات مثل ( الرست والبيات والسيكاه والحسين …. الخ ) ، ومجموعها (29) مقاما ،  والشعر الزهيري ، الخاص ببعض المقامات مثل ( الإبراهيمي و المحمودي والناري و الجبوري …. الخ ) ، ومجموعها ( 26 ) مقاما ، كما يذكر السعدي في صفحة ( 26 ) جملة قائلا فيها : ( وهناك مقامات يغنى فيها شعر تركي متوارث هما ، مقام التفليس ، مقام القوريات ) .

نجد أن هذه المعلومة تحتاج إلى توضيح أكثر، مواصفاته تكوينه إلى أي البحور ينسب ؟ كون كتابه يتناول جوانب المنهجية المقامية ، كذلك يذكر أن عدد المقامات العراقية ( 56 ) مقاما ، ولم يذكر من أي مصدر جاء بهذا الخبر، لأن الفنان شعوبي إبراهيم شرح في كتابه ( 40 ) مقام فقط ،كون بعض المصادر تختلف معه بهذا العدد .

 أما الفصل الثالث يشمل الأوزان الإيقاعية التي تدخل في المقام العراقي ، حيث يذكر في الصفحة (35 ) أن بعض المقامات يصاحبها الإيقاع والأخرى خالية منه ، أما الإيقاعات التي ترافق هذه المقامات هي ( اليكرك و الجورجينة والوحدة والسماح و الفالص ) ، هذا الفصل مختصر جدا وكان بإمكان الباحث أن يتوسع به لما يحتوي على الكثير من الجوانب التي تحيطها الضبابية والتي هي بمخيلة القارئ وحتى الموسيقي، مثلا ، لماذا لا تستخدم الإيقاعات الكثيرة الأخرى وتحدد المقام على أنواع قليلة من الإيقاعات ؟ هل يمكن الاستعانة بإيقاع آخر بدلا من الإيقاع الفلان ؟ هل يمكن التجديد وقراءة المقام بدون ذاك الإيقاع ؟ هل هذه الإيقاعات تستعمل عند البلدان الأخرى وأين ؟ والإجابة تكون مع الأمثلة .

أما الفصل الرابع تناول السعدي عملية الإرث وتوارث هذا الأسلوب الغنائي بفصول المقامات وشمل كل هذا بأربعة صفحات من ( 39 – 43 ) ، مجموعة  فصول المقامات ، ومعلومات عن البستجي وعن بعض أسماء فرق الجالغي ودور المرحوم هاشم الرجب وكتابه المقام العراقي ، الحاج هاشم الرجب يتناول هذا الموضوع بدقة في كتابه المقام العراقي في صفحة 99 ، كان الباحث السعدي أمين بذكر ذلك .

الفصل الخامس يتناول السعدي مشاهير قراء المقام العراقي ، وكانت المعلومات عنهم مختصرة جدا ، كان من المفروض أن يأتي بمعلومات أكثر عن ولادتهم وفاتهم مناطقهم إلى أي المدارس المقامية ينتمون وماهي إنجازاتهم  ، فنجد نفس الأسماء يتناولهم الحاج الرجب في فصل مستقل في كتابه المقام العراقي صفحة 103 ، حتى نجد نفس المعلومات عنهم مع تغيير بسيط .

 في الفصل السادس تناول السعدي شرح مفصل مترجما به الفصل الرابع ، واضعا عنوانا ( فصل مقامات نغم البيات ) ومجموعها 12 مقام هي : ( البيات و الإبراهيمي و المحمودي و الناري و الجبوري و البهيرزاوي و المكابل و القوريات و السعيدي و الشرقي دوكاه و المسجين و القزاز ).

والفصل السابع يتكرر نفس الأسلوب بفصل جديد ( فصل مقامات نغم الرست ) ومجموعها 4  مقامات وهي ( الرست و البنجكاه و الشرقي رست و الشرقي أصفهان ) . والفصل الثامن ( فصل مقامات نغم الحجاز ) ومجموعها  9 مقامات وهي ( الحجاز ديوان و المثنوي و المدمي و الحويزاوي و الهمايون و القطر و الحجاز سلطاني و الحجاز آجغ و السعيدي ) . الفصل التاسع يتناول  ( فصل مقامات نغم السيكاه ) ومجموعها 5 مقامات وهي : ( السيكاه و الأوج و الحكيمي و ألا وشار و التفليس ) . والفصل العاشر (فصل مقامات نغم العجم ) ومجموعها 4 مقامات وهي ( العجم عشيران و الجهاركاه و الطاهر و الراشدي ) . الفصل الحادي عشر ( فصل مقامات نغم الحسيني )  ومجموعها 4 مقامات وهي (الحسيني و الاورفة و الدشت  و الأرواح ).

لابد على الباحثين اتخاذ قرارات جريئة تنسجم مع  الواقع الجديد في الكثير من الجوانب الفنية في الموسيقى العراقية ، كتدوين المقام ووضع واكتشاف مصطلحات تدوين جديدة تساعد على فهم أسرع وكيفية قراءة المقام العراقي وإدخالها ضمن مناهج التدريس في المعاهد الموسيقية ، كذلك لابد من توحيد السلالم الرئيسية والفرعية بكل ألوان الغناء العراقي الريفي والمقام والبدوي ، كأن يكون تثبيت سلم البيات رئيسي في كل هذه الألوان الغنائية ، وان هذه الأمنيات نجد السعدي يثبت أصول المقام الصحيحة في الفصل الثالث عشر وهو ( فصل مقامات نغم النوى ) ، يتحدث فيه عن المقامات التي تنتمي إلى سلم النوى ، ومجموعها 4 مقامات وهي ( النوى و ألنهاوند و الخنبات و  النوروز عجم ) . كان على السعدي أن ينسب هذه المقامات إلى سلم ألنهاوند كونه السلم الرئيسي وليس النوى الذي يعتبر فرع من ألنهاوند في علم النظريات . الفصل الثاني عشر يتناول السعدي (فصل مقامات نغم الصبا ) ، يتحدث فيه عن المقامات التي تنتمي إلى سلم الصبا ومجموعها 3 مقامات وهي ( الصبا و المنصوري و الحديدي ) ، والفصل الرابع عشر هو(فصل المقامات المركبة ) ، يشرح فيه خمسة مقامات ، هي (العريبون –العريبونات و الحليلاوي و الباجلان و الدشت عرب و الجمال ) ، أما الفصل الخامس عشر ، هو( فصل المقامات المستقلة ) ، يشرح فيه خمسة مقامات هي (الكرد و المخالف و الكلكلي و الابتكار و اللامي ) ،وينتهي هذا القسم من هذا الكتاب ، نجد هذا الموضوع عند الحاج هاشم الرجب يقسمه بنفس الأسلوب لكنه يذكر أن هذا التقسيم كان يعتمدها القراء في الجلسات الطويلة . 

القسم الثاني يتضمن قراءة موسيقية تبدأ من اليسار وتتحدد  بـ(87) صفحة تتكون مجموعة من النوتات للمقامات وعددها (12) مقام ، قام بتدوينها السيد على الصفار بشكل جيد تساعد على الفهم بدقة كون التدوين اللغة التي تحل جميع الاختلافات وتوحد أداء الفرقة الموسيقية وتقطع دابر التنظير الذي يحمله قراء المقام كل حسب مدرسته وبالتالي هم جميعا وجهات نظر صحيحة تصب في اصول وهيكلية تحركات المقام المتفق عليها من قبل وجهاء هذا العلم الغنائي الدقيق . وفي نهاية الكتاب وضع السعدي مجموعة من الصور لقراء المقام منها نادرة ومهمة . كما ووضع ثلاث أقراص ( C . D ) قام بجمعها السيد صادق جعفر ، المرفقة مع كتاب السعدي وتحتوي على أداء للمقامات التي تناولها في الشرح مؤداة من قبل أمهر القراء المختصين في المقام العراقي ليكون دليل المستمع .

وفي الختام وجدنا هذا الكتاب رغم الملاحظات التي طرحناها ، فهو كتابا قيما لما يحمله من مواصفات تفيد العامة لحفظ وتوثيق هذا التراث العراقي المهم بنكهة قارئ المقام ( حامد السعدي ) وبأسلوبه المتحضر الجديد وهو عبارة عن مزيج من ( الشرح والتدوين والصوت ) لينتج لنا منهاج يستحق أن يأخذ موقعا محترما في المكتبة العراقية والعربية وهو منجد الطالب في المرافق الموسيقية التي تدرس هذا العلم الغنائي الذي يعتبر من أهم مرتكزات الثقافة الموسيقية في العراق .

نتمنى أن يكون الباحث وقارئ المقام الفنان حامد السعدي أنموذجا وحافزا للباحثين  وللمفكرين العراقيين في تناول هذا الموضوع وغيره لإسعاف المكتبة العراقية بهذه التحف النادرة التي ترفع من قيمة هذا اللون العراقي الثقافي الحضاري إلى ابعد نقطة في التأريخ  .