المقاله تحت باب في الموسيقى والغناء في
24/10/2009 06:00 AM GMT
الحوار مع الفنانة عفيفة اسكندر يرجعنا الى الزمن الجميل، نتجول مع ذكرياتها في اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، زمن الصدق والابداع، الذي انجب عمالقة الفن العراقي على جميع الاصعدة، اذ كانت عفيفة في أوج انوثتها وجمالها وشهرتها، وتميزت عن قريناتها باهتماماتها الثقافية وميولها المعرفية ماجعلها تفتح صالونا ادبيا لتكون قريبة من الشعراء والادباء وترتاده الى جانب الادباء الوجوه المعروفة آنذاك من الاطباء والمحامين والسياسيين وغيرهم.
وكان كبار المسؤولين في الدولة العراقية من ملوك وقادة ورؤساء ووزراء يطلبون ودها ويطربون لصوتها ويحضرون حفلاتها من دون حياء. اللقاء بفنانة بمستوى عفيفة اسكندر يمثل لي فرصة ثمينة لانني سأقف عند تجربة ثرّة وتاريخ حافل بالابداع والذكريات وعندما ارتقينا سلالم العمارة ووصلنا الى الطابق السادس حيث تسكن عفيفة، وجدت ان الزمن قد فعل فعلته معها، وتركها فريسة امراض الشيخوخة بعدما سرق نضارتها وصحتها، تعاني من ساقها التي ما عادت تقوى على حملها، وشظف العيش واهمال المسؤولين لها. دموع بادرتنا والدموع تنساب من عينيها، انا لي حق على الحكومة، اعاني الاهمال، ففي كل الدول المتقدمة هناك اهتمام ورعاية بالفنانين الذين قدموا عطاء لبلدهم ورفعوا اسمه، وهذا حقي ولا اريد منة احد، ساقي لا تعينني لان اقف عليها ولا استطيع المشي، اجريت عملية لها قبل خمسة اشهر في الاردن، فشلت العملية وسرقت فلوسي (20) الف دولار. الالم يعصرني وانا انظر الى ما آلت اليه الفنانة الكبيرة عفيفة اسكندر قلت لها: كان لك صالون ادبي يأتيه السياسيون والادباء في ذاك الوقت، الآن وبعد ان ذبل الجمال وراحت الشهرة، ما عاد احد يأتيك من السياسيين؟ ـ لا لم يأتِ احد من السياسيين. * هل صحتك تسمح لك بالغناء؟ ـ لا ما عادت صحتي تتحمل وسبق ان ارادوني ان اغني واعتذرت. سألتها عن موقف وزارة الثقافة ودائرة الفنون الموسيقية؟ فقالت مكررة انا حقي على الدولة، يجب ان تهتم بي وترعاني بعد ان افنيت عمري لخدمة العراق، فقط مفيد الجزائري وزير الثقافة السابق كان جيداً معي وخصص لي راتباً ، أما الآخرون فلا اعتقد انهم يعرفون عفيفةاسكندر. مصطفى جواد تقول عفيفة اسكندر: الذكريات صدى السنين، كان الدكتور، مصطفى جواد يقرأ القصيدة التي ساغنيها قبل ان اطلع امام الجمهور، ولا اغني قصيدة قبل ان يعطي موافقته عليها، كان مصطفى جواد وجعفر الخليلي مستشاريّ في كل شيء وانا قارئة للقرآن والانجيل والاثنان اضعهما قرب وسادتي عندما أنام. وتضيف بأسى ولوعة لم اسيء الى بلدي في يوم من الايام.. الاعلامية العربية عبلة خوري قالت لي انت تتحدثين عن بلدك فقط، لم لا تتحدثي عن نفسك. المخابرات أخذت بيتي مخابرات النظام السابق اخذوا بيتي في العرصات لماذا؟ لانه كان مؤجراً الى السفارة الروسية ولم يعوضوني، حتى ان السفارة الروسية زعلوا عليّ وقالوا: لماذا لم تبيعيه لنا، كنا نشتريه.. وظنوا انني قد بعته بسعر مغر، لكنهم اخذوه ولم يعوضوني مضيت وتنازلت عنه لانه بكل الاحوال سوف يأخذونه. اما بخصوص نوري السعيد رئيس الوزراء السابق، فتقول كان يحب المقام والجالغي البغدادي وكان يحضر كل يوم اثنين الى حفلات المقام، ويحضر حفلاتي. وعن قصة اللحن الذي وضعه لها الموسيقار محمد عبد الوهاب فقالت: محمد عبد الوهاب اعطاني لحن اغنية ضمن فيلم الوردة البيضاء وحتى الآن اسمي موجود مع المطربة اسمهان و الاغنية هي (ياورد من يشتريك للحبيب يهدك) لحنها لي ولكن هو غناها بصوته، ولم اغنيها لانها لا تريد ان تكون صدى لصوت غيرها اعتزازا بنفسها. عبد السلام عارف حاربني وتذكر الفنانة عفيفة اسكندر ان عبد السلام عارف كان يحاربها ويضيق عليها وحسب وصفها كان"شاد وياي " وتقول كان يتهمني بانني ادفن الشيوعيين في حديقة بيتي وتضيف: انا لا اضد احدا، كان عبد السلام يحاربني ويضيق علي ويقول لاهل الرمادي (رماد برأسكم). لم تغن لقادة الثورة ولم تطلب منها الملكية ان تغني لها رغم انها كانت على صلة وثيقة بها، وانما كانت تغني في عيد الجيش وغنت لفيصل الثاني، ولم تغن لصدام او لحروبه، ولهذا اهملت وغيبت في العهد المباد وما زالت مغيبة، وتقول متعجبة: اعجب على الناس قالوا للملك لا نصدق ان نراك عريس وبعد اسبوع واحد من هذا الكلام قتلوه! قلت لها هل انت نادمة على هذا العمر الطويل الذي قضيتيه بالفن؟ - لست نادمة، انما ثقفت نفسي اكثر من اللازم حتى تلفت عينيّ، ونزل الماء فيها، وماعدت ارى فيها، وعن علاقة الثقافة بالمطرب فترى ان المطرب يجب ان يكون مثقفا حتى يتحدث عن بلده وفنه باسلوب جميل ومقنع، وتقول البارحة كنت استمع الى احد الفنانين يتحدث عبر التلفزيون وكان(خريط ، حسب وصفها ) سألتها عن المستوى الثقافي للمطربين الجدد، فقالت: لا اريد ان احكم على احد، ولا اريد ان اذكر احداً بسوء. شعر الجواهري لا يغنى اما عن شعر الجواهري وهل كتب لها قصيدة معينة، فتقول: شعر الجواهري لا يغنى، ومن الصعب تلحينه، قرأت ديوان الجواهري، وما زال عندي حتى الان احتفظ به، وكانت عفيفة تبحث في بطون الدواوين الشعرية عن القصائد التي تناسبها وفي احسان كثيرة تحور الشعر للتغزل ببغداد، ويعجبها شعر الاحنف وزهير ابن ابي سلمى اللذين غنت لهما الكثير من القصائد، اما الشعراء العراقيون فكانت تطرب لقصائد الشاعر الزهاوي الذي خصها بالعديد من القصائد. واقرب الملحنين الى نفسها فهو الملحن احمد الخليل والملحن خزعل مهدي والملحن ياسين الشيخلي. عشق بغداد حبها لبغداد لا يوصف فكثيرا ما ضمنت اغنياتها هذا العشق، الذي تفضله عن كل المدن والعواصم العربية والاجنبية، سبق وان طافت فنانتنا الكثير من المدن الجميلة، لكن حنينها زاد الابدي الى بغداد، وتذكر انها كانت مدعوة الى اميركا فغنت: هزني الحنين لاهلي وشوق بيه هيا بنا ياربع نمشي درب بغداد وعادت مسرعة الى بغداد لتكون انطلاقتها نحو المجد والشهرة وخاتمة لايامها الحزينة تحت وطأة المرض والعوز والخوف. سألتها ان كانت لها منافسات من مطربات جيلها فردت: لم تكن لي منافسة، ولم تكن المنافسة في حساباتنا، كانت العلاقات التي تجمعنا هي الطيبة والاخلاص، وتعتبر المطربة سليمة مراد معلمة لها، فكانت ترشدها وتعلمها وتعدل من لهجتها كون عفيفة اسكندر مصلاوية وكانت تسيطر عليها اللهجة المصلاوية، و تزال تحتفظ بفضلها وتقويمها، وتذكر احد المفارقات اللطيفة انها كانت تغني واحد الاشخاص الجالسين يطلب للمرة الرابعة ان اغني له، فشعرت ان هذا الشخص يقصد اهانتي فاخذت الكرسي لاضربه فتبين ان هذا الشخص اطرش، وتذكر ان سليمة مراد اعطتها درسا لم تنسه حتى الان فقالت لها: ((عليك ان تضعي فلتر في اذنك)، اي ان لا تنفعلي لاي كلام تسمعيه. هكذا كانت العلاقات التي تربطها بمطربات ومطربي جيلها تسودها النصح والتوجيه والمحبة وكانت علاقتها طيبة بسليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وناظم الغزالي وغيرهم. اسماعيل. رفقا بـ (عفيفة) نناشد المسؤولين بالحكومة العراقية متمثلة برئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي ووزير الثقافة اسعد الهاشمي ودائرة الفنون الموسيقية، ان تولي رعايتها واهتمامها بالفنانة عفيفة اسكندر وان تمد يد العون لها بانتشالها من دائرة العوز والفقر والمرض وان تسعى لمعالجتها على نفقة الحكومة، لانها تمثل ذاكرة الفن العراقي، وطالما رفعت اسم العراق عاليا في المحافل الدولية والمهرجانات وتغنت بإسم بغداد، ولم تلوث حنجرتها بالغناء للطاغية وحروبه الهدامة. فهي تجسد الفن الملتزم والموقف النبيل، مستترة في دارها طيلة مدة حكم النظام السابق. وها هي الآن تطالب ما بذمتها من حق على الدولة. وكأن اغنيتها التي وضعتها قبل نصف قرن (أريد ابجي بالعباس والطم بالحسين، ما جاني من هواي بس دمعة العين)، تختزل معاناتها الحقيقية في أرذل العمر. مقتطفات * غنت في عمر خمس سنوات، اول حفلة احيتها بعمر 9 سنوات في اربيل. * يونانية الاصل ولدت في الموصل وعاشت في بغداد. * عبدالكريم قاسم كان يحب غناءها ويحترمها. * اصدقاؤها ومحبوها يساعدونها ويتطوعون لخدمتها. * سبق ان اعطيت هدايا شقق وبيوت في فينا ودول عديدة لكنها فضلت بغداد. * الملك فيصل الاول كان من المعجبين بصوتها. * والدتها كانت تعزف على اربع آلات موسيقية. وكانت تنصحها ان الغرور مقبرة الفنان. * الدكتور العلامة مصطفى جواد كان مستشارها اللغوي وتقرأ له الشعر قبل ان تغنيه. * لقبت بـ (منلوجست) من المجمع العربي الموسيقى كونها تجيد ألوان الغناء والمقامات العراقية
|